المنشور

دول مجلس التعاون والطاقات المتجددة

في‮ ‬مقال سابق وبتاريخ‮ (‬17‮ ‬أغسطس‮ ‬2009‮) ‬سلطنا الأضواء على التنافس الشديد بين الولايات المتحـدة والصـين للفـوز بقصب الريـادة في‮ ‬مجـال الطاقات الجديدة والمتجددة‮ ‬‭(‬New and Renewable energy sources‭)‬‮ ‬البديلة‮ (‬هكـذا‮ ‬يراد لها أن تكون من قبل الـدول الرأسمالية المتقدمة‮) ‬لمصـادر الطاقات التقليـدية‮ ‬‭(‬Conventional energy sources‭)‬،‮ ‬الريادة ليس في‮ ‬الإحلال وحسب وإنما في‮ ‬تكنولوجياتها التي‮ ‬سيكون لها دور حاسم في‮ ‬المكونات السلعية للتجارة الدولية والموازين التجارية للدول المصدرة والمستوردة لها‮.‬
ورأينا كيف أن الصين والولايات المتحدة واليابان وأوروبا تسابقان الزمن من أجل تحقيق اختراقات نوعية في‮ ‬ابتكارات وتنكولوجيات الطاقات الجديدة وأساليب الاستخدام عالي‮ ‬الكفاءة لمصادر الطاقة التقليدية‮.‬
فأين هي‮ ‬دول مجلس التعاون الخليجي‮ ‬من هذه التطورات بالغة الأثر في‮ ‬موازين الطاقة العالمية،‮ ‬وهي‮ ‬التي‮ ‬ارتبط مصيرها،‮ ‬اقتصادياً‮ ‬واجتماعياً،‮ ‬بسلعة النفط والغاز في‮ ‬تأمين معدلات نموها وتوسعها الاقتصادي؟‮.‬
في‮ ‬واقع الحال لم‮ ‬يعد الموقف الخليجي‮ ‬واحداً‮ ‬من قضية الطاقات الجديدة والمتجددة،‮ ‬فدول مجلس التعاون وإن واصلت التمسك بموقفها الرسمي‮ ‬والعلني‮ ‬غير المكترث بهذه التطورات المتمثلة في‮ ‬زحف أجندة مصادر الطاقات المتجددة على أشغال الاجتماعات والملتقيات الدولية الخاصة بتغير المناخ وعلى برامج وخطط إحلالها محل الطاقات التقليدية،‮ ‬ومواصلة إصرارها‮ (‬دول التعاون‮) ‬على أن النفط مهما حصل سوف‮ ‬يبقـى سـيد الموقف مواصلاً‮ ‬تصدره لميزان الطاقة العالمي‮ ‬‭(‬Energy Mix‭)‬‮ ‬بحوالي‮ ‬الثلث‮ ‬‭-‬‮ ‬برغم ذلك،‮ ‬إلا أن تبدلات واضحة،‮ ‬على الصعيدين النظري‮ ‬والعملي،‮ ‬قد حدثت في‮ ‬مواقف الدول الخليجية من الطاقات البديلة والمتجددة‮. ‬فلقد اتخذت‮ ‬3‮ ‬دول على الأقل هي‮ ‬البحرين والإمارات والسعودية،‮ ‬خطوات صريحة نحو توريد المفاعلات النووية لتوليد الطاقة للأغراض السلمية،‮ ‬ووقعت لهذا الغرض اتفاقيات أولية مع بعض الدول المصدرة لتقنية هذه المفاعلات‮ (‬الولايات المتحدة وفرنسا‮).‬
بل إن مجلس التعاون لدول الخليج العربية نفسه الذي‮ ‬يضم الدول الست،‮ ‬قطع شوطاً‮ ‬مهماً‮ ‬على هذا الصعيد،‮ ‬من حيث تشكيل فريق فني‮ ‬مختص بالطاقة النووية وإبرام اتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة النووية لإعداد دراسة حول إنشاء مفاعلات نووية في‮ ‬دول التعاون وإعداد الكوادر الخليجية في‮ ‬هذا المجال‮.‬
وبخلاف الطاقة النووية التي‮ ‬لا تنسب بعد لطائفة الطاقات المتجددة،‮ ‬حيث لم‮ ‬يُحسم الجدل بشأنها عالمياً،‮ ‬فإن دول التعاون بدأت تتحرك بجدية بموضوع الطاقات المتجددة أيضاً،‮ ‬حيث أبدت بعض الدول جدية في‮ ‬التوجه نحو هذا الخيار،‮ ‬بل إن دولة الإمارات سبقت الجميع في‮ ‬هذا المجال،‮ ‬فهي‮ ‬تجاوزت مرحلة جس النبض والأقوال إلى الأفعال الحقيقية من خلال إنشاء البنية الأساسية والمؤسسية لهذا القطاع الواعد والصاعد في‮ ‬سماء الاقتصاد العالمي‮ ‬الجديد،‮ ‬متمثلة في‮ ‬شركة أبوظبي‮ ‬لطاقة المستقبل‮ ‘‬مصدر‮’‬،‮ ‬ومدينة مصدر التي‮ ‬بوشر في‮ ‬إنشائها لتكون أول مدينة في‮ ‬العالم خالية من الكربون وإنشاء نواة لأبحاث الطاقات المتجددة واستقطاب خبرات عالمية لتعمل في‮ ‬هذه المشاريع الطاقوية المستقبلية التي‮ ‬تنتمي‮ ‬حكماً‮ ‬إلى فصيلة الاقتصاد الجديد الذي‮ ‬تتميز تقنياته وابتكاراتها المتوالية،‮ ‬بمعدلاتها العالمية على الاستثمار‮.‬
واتخذت سلطنة عُمان أيضاً‮ ‬خطوات مهمة وقاطعة في‮ ‬هذا المجال فأفردت في‮ ‬تشكيلتها الوزارية وزارة خاصة بالبيئة والتغير المناخي‮ ‬جمعت الكوادر الوطنية العُمانية المتخصصة في‮ ‬هذا الحقل تحت سقف واحد وأوكلت لهم مهمة متابعة كافة القضايا البيئية والمناخية المحلية والأخرى العالمية‮.‬
مملكة البحرين هي‮ ‬الأخرى بدأت تسير على هذا الطريق واتخذت خطوات ملموسة لإدخال الطاقة النووية والطاقات المتجددة،‮ ‬لاسيما طاقة الرياح والطاقة الشمسية والتوسع مؤسسياً‮ ‬وتشريعياً‮ ‬وتقنياً‮ ‬في‮ ‬مجال الحفاظ على الطاقة‮ ‬‭(‬Energy conservation‭)‬‮ ‬وترشيد استخدامها‮.‬
وفي‮ ‬حين تُجري‮ ‬المملكة العربية السعودية أبحاثاً‮ ‬حول الطاقات المتجددة،‮ ‬إلا أنها ترى أن الطاقة النووية وليس الطاقات المتجددة هي‮ ‬أفضل الخيارات بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي‮ ‬خصوصاً‮ ‬إذا ما تم إنتاجها بشكل مشترك وذلك لمواجهة الطلب المتزايد على الطاقة‮. ‬وتذهب بهذا الصدد إلى أن خيارات الطاقة الشمسية أو الهوائية‮ (‬طاقة الرياح‮) ‬هي‮ ‬إما محدودة أو أقل جاذبية لأسباب تقنية،‮ ‬وانه نظراً‮ ‬للطلب المتزايد على الطاقة ومعدلات النمو السكاني‮ ‬المرتفعة،‮ ‬فإن الحل الفوري‮ ‬الوحيد المتوفر لدول مجلس التعاون هو الطاقة النووية كأفضل خيار طاقوي‮ ‬سواء من الناحية البيئية أو الاقتصادية.
 
صحيفة الوطن
30 اغسطس 2009