المنشور

الثورات شبه مستحيلة في الرأسماليات الحكومية الشرقية

حين يقول المرجع الديني الكبير (حسين منتظري) إن النظام سوف يسقط في إيران، نشك في ذلك.
وليس هذا يتعلق بإيران فحسب بل بكل الدول الشرقية ذات الأنظمة الرأسمالية الحكومية.
إن الثورة لها شروط موضوعية، وأهمها أن تصل أغلبية الطبقات الشعبية إلى عدم القدرة على العيش في ظل نظام معين، أي ألا تقدر على الحياة العادية وذلك لأسبابٍ خارجةٍ عن إرادةِ الحكومات والطبقات نفسها، كارتفاعٍ رهيبٍ لأسعار المواد الغذائية لا يجعل الناس قادرة على العيش وبحيث أن تنزل الجماهير للشوارع ولا تعود السلطات قادرة على ضبط الأوضاع.
أو كاقتحام غزاة للدولة وانهيار النظام الاجتماعي وطرائق العيش المعتادة.
مثل هذه الأسباب تقود إلى الأزمة العامة، التي تخلق عدم قدرة للطبقات التحتية على تقبل العيش والنظام السائد، مثلما أن الطبقات العليا لا تستطيع أن تسيطرَ على النظام السائد، وهي شروط موضوعية لا تنتجها مؤامرة أو مظاهرات جزئية أو رغبات وأحلام لدى النخب السياسية.
حين يتأسس النظامُ الرأسمالي الحكومي الشرقي يضم أغلبية موارد العيش والإنتاج في سيطرته، وذلك قد تشكل حتى تحت بصر وسمع الدول الغربية التي كانت مسيطرة على دول شرقية عديدة ومؤيدة للاقتصاد الحر.
كذلك هناك المؤسسات السياسية والعسكرية التي هي بطبيعتها جزءٌ من النظام، وقد تكون سابقة حتى على مؤسسات القطاع العام الحكومية، وحين تظهر مؤسساتُ القطاع العام تضيفُ حشداً جديداً للمؤسسات الأمنية خاصة، وقد عرفت إيران إضافة إلى ذلك مؤسسات عسكرية أهلية عديدة، إضافة إلى حشود المؤسسات الدينية المؤيدة للنظام.
وهذه كلها وراءها ملايين عديدة من العاملين، وإذا أضفنا عائلاتهم فإن أكثر من نصف المجتمع يعيش تحت إنتاج الدولة.
من هنا نرى أن الحركات الاجتماعية في الشرق بعد تأسيس الأنظمة الرأسمالية الحكومية تتحول من ثورات إلى اضطرابات وقلاقل أهلية وعرقية ودينية، وتعجز عن الوصول إلى نموذج الثورة.
إن اضطرابات الصين الشعبية خلال العقود الأخيرة مثلاً جرت عبر حشود من الجماهير غير الواضحة الانتماء، وغير المتجذرة في الإنتاج، وسرعان ما اختفت، وظهرت بعد ذلك من خلال قلاقل مناطقية دينية لا تمثل أزمة عامة أو شبه عامة مؤثرة في النظام السياسي.
ولم يتمكن الجزائريون في نضالهم من أجل الديمقراطية في زمن حكم الاستقلال العسكري الشمولي أن يقوموا إلا بانتفاضة حارقة مثل حركة الاحتجاجات المصرية ضد الغلاء.
تحدث الحركات الاحتجاجية الواسعة التي يشترك فيها العامة بشكل مدمر خاصة وتؤدي إلى نتائج كارثية، بسبب طبيعة أنظمة الرأسمالية الحكومية الشرقية التي توسع كثيراً الأجهزة العسكرية، وتغيّب أي وسيلة للتنفيس والتعبير، فتتراكم على الناس أعباء المعيشة بصورة مطردة فظيعة فيحدث الانفجار الوقتي السريع لكنه لا يصل إلى نموذج ثورة.
ويسهم في تخفيف ذلك أيضاً نمو رأسمالية خاصة وكلما كانت واسعة، خففت على النظام العام من نشوء الأزمة العامة البنيوية، لكون الجمهور لديه بدائل معيشية غير سيطرة النظام.
والأنظمة الشرقية تدرك ذلك وتوسع من الرأسمالية الخاصة وتجعلها وسيلتها لتوزيع هوامش الثروة وإعادة الإنتاج الاجتماعي، وخلق وسائط اقتصادية للفوائض تخفف من ضخامة العمالة الفقيرة المعدمة. وهذه إضافة إلى استقرار حياة موظفي وعمال القطاعات العامة تشكل ضمانة لاستقرار نظام رأسمالية الدولة هذا.
لكن إذا انهارت أسعار المواد الثمينة التي يعتمد عليها النظام كانهيار أسعار النفط إلى الحضيض وانهارت الحياة المعيشية للجمهور فهذا يؤدي إلى الأزمة العامة، لأن استمرار موازين الصرف على القطاعات الحكومية الطفيلية أمر لا يقدر الناس على تحمله.
من هنا نرى أن الأزمة الإيرانية تدخل دهاليز الصراعات الفوقية، والمماحكات السياسية، والمحاكمات الفظة، على أعتبار أن الطبقة الحاكمة قد أمنت السيطرة على أغلبية الشعب، والثورات لا تحدث في الهواء.
والثورات تقود لتغيير سياسي جوهري وتاريخي أما الصراعات السياسية المحدودة، والانفجارات العنصرية والدينية بل حتى الصراعات السياسية المهمة للنخب الحزبية، لا تقود إلى ذلك.
إن شروط الثورات في كل التاريخ هي نفسها ولكن في الرأسماليات الحكومية الشرقية تغدو ذات صعوبة كبيرة، وانظر كيف تبدل نظام شرقي عتيد الظلم كجنوب افريقيا، لماذا؟ لأن الحكومة السابقة لا تملك وسائل العيش.

صحيفة اخبار الخليج
31 اغسطس 2009