المنشور

شخصية مير حسين موسوي السياسية

(ولد موسوي يوم 29 سبتمبر عام 1941 في خامنه، شرقي أذربيجان، التي هي أيضاً مسقط رأس مُـرشد الثورة علي خامنئي، الذي يمتّ بصلة قَـرابة إليه، وكان والده تاجر شاي من تبريز. وقد ترعرع موسوي في خامنه، ثم انتقل إلى طهران بعد تخرّجه في المدرسة الثانوية عام 1958)، في الصحافة.
(حين كان شاباً يافعاً، كان موسوي على علاقة وثيقة بحركة “حرية إيران”، وهي حزب سياسي – ديني أسّـسه مهدي بازركان ويدالله سحابي ومحمود طالقاني وعلي شريعتي. وقد كان موسوي من الطلاّب المُـداومين على حضور محاضرات المفكـر البارز شريعتي، كما كان عضوا بارزاً في المنظمة الإسلامية للطلاب، وهي حركة يسارية)، من مواد صحف الفترة.
تعبر هذه النشأة لموسوي والتربية السياسية الأولى عن المظلة الجامعة للسياسيين الدينيين الإيرانيين في تولدهم وتطورهم في المخاض الاجتماعي بين الوعي الديني التقليدي والتحديثي، وبين جذورهم في عالم الإقطاع حيث تسيطر مؤسستا الحكم والدين الفارسيتان الخارجتان من العصر الوسيط في بحثهما عن التحديث والاستقلال، فتقاربُ جماعاتٌ منهم الوعي اليساري، في تأييده الوقوف مع الفقراء والكادحين، في حين ترفضُ جماعاتٌ أخرى هذا التحديدَ وتؤيد النظام (الإسلامي) في غموض اجتماعي متعمد.
إن نأي كلٍ من هذه الجماعات عن الرأسمالية والاشتراكية الماركسية، هو تعبيرٌ عن حراكِ الفئاتِ الوسطى الصغيرة والمتوسطة بعيداً عن الرأسمالية الحرة، أي عن طريق نمو الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج غير المسيطر عليها من قبل الدولة التقليدية، فرموز المذاهب الشرقية هي وجوهُ الحكوماتِ الكلية.
ولماذا يتوجه اتجاها دينيا للحديث عن الاشتراكية واليسار؟ هذا يعبرُ عن محاولة جذب العمال لهذا الطريق، طريق الرأسمالية الحكومية الوطنية غير الواضح في ذلك السديم الاجتماعي، حيث حكم الشاه وملكيته غير الواسعة في وسائل الإنتاج، وهذا كذلك جزءٌ من الصدى لما يجري في عالم الخمسينيات من القرن العشرين حول (الاشتراكية) وتسريع التطور في البلدان المتخلفة، والاتحاد السوفيتي والصين جاران لإيران ويضجان بهذه الدعوة.
وهو تعبيرٌ عن استثمار ما يحفلُ به المذهبُ الشيعي من تعاطفٍ مع الفقراء وما كان من تاريخهِ الرمزي الرسمي في هذا الصدد، وقد عبرت كتبُ علي شريعتي الذي انضم إلى تياره موسوي عن هذا التضافر بين الشيعية والتوجهات الاجتماعية، لكن خط هذه الفئة من البرجوازية الصغيرة كان يحملُ فاعلية عملية تكوين الملكية العامة وقيامها بتسريع التطور وحماية الأوضاع المعيشية للبسطاء معاً، فكانت صدى للاشتراكية داخل الوعي الديني.
إن دخول الأفكار الدينية والأفكار الاشتراكية في مجرى سياسي واحد، تعبيرٌ عن هذه العملية الخيالية والخداعية للاشتراكية الوطنية هذه، وهي هنا تستعيرُ الرموزَ الدينية المقدسة لكي تحصل على شعبية سياسية، كما أنها، من جهةٍ أخرى، تظل ملاصقة للقوى التقليدية المحافظة، فترفض تأييد طريق الرأسمالية الحرة على الطراز الغربي. فتطرح طريق الدين للتطور، أو بالأحرى طريق الشرق الاستبدادي، بما يعني من إرضاء إقطاعيي الريف وتجار البازار وقوى الهيمنة على النساء، وسيطرة ثقافة النص مع بعض التأويل العقلاني في هذه الحدود الاجتماعية.
هذا ما لا ينفي المقاربة مع التجار وأوضاع المدينة الحديثة، والاستفادة من التأثيرات الغربية وبعض شعاراتها العامة، دون القبول بها كفلسفة كلية، في مقاربةٍ مع الرأسمال التجاري ومرحلته واستيراده، وهكذا تتشكلُ انتقائية تبعاً لموقف البرجوازية الصغيرة وحراكها الاجتماعي.
وسنجد مير موسوي يندفع مع القوى الدينية المعارضة بكل تلاوينها، التي قامت الثورة الشعبية بتصعيدها فحملت حراك اليسار الديني بسبب هذه القوة الشعبية، وسيطر عليها اليمين بسبب قيادته نظام القرون الوسطى الإيراني عامة.
اليسار واليمين هنا جزءٌ من صعود الرأسمالية الحكومية الوطنية بتضاداتها الطبقية، التي ستقوم بعملية تنمية واسعة، وجعلت من مير موسوي رئيس وزراء موجها لهذه الرأسمالية. فجمعت بين تشكيل قطاع عام رأسمالي تسيطر عليه هذه البيروقراطية وبين بعض الخدمات التي تقدم للفقراء، من أجل دعمهم لصعود الرأسمالية الحكومية فوق أكتافهم وعملهم.
لكن القطاعات العامة عبر سيطرة هذه القوى لابد أن تنفصل عن قواعدها الشعبية، مثلما حدث في الأنظمة (الاشتراكية)، لكون المالكين السياسيين وهم الدينيون غير العاملين، ثم ينفصل موسوي عن هذه التجربة كلياً ويواصل نشاطه الثقافي، من دون أن تكون له نضالات أو قراءات لهذه الملكية الشعبية المسروقة.
وتتضخم هذه القطاعات العامة وتدخل القوى العسكرية في ملكيتها وتوجيهها واستغلالها، فتضيع الثروة النفطية الوطنية في إنتاج بورجوازية حكومية مدنية عسكرية.
في حين ان ملايين الكادحين رصفوا بعظامهم الحدود المحررة وشيدوا المؤسسات المختلفة.
لكن الطبقات الوطنية التي تنامت خلال النمو الاقتصادي راحت تتململ، خاصة القوى العمالية المتضررة من الفقر، ثم القوى البرجوازية الخاصة التي أعطتها التطورات الاقتصادية منافع مالية كبيرة. فالأخيرة خاصة شعرت بالحدود الضيقة التي تفرض عليها، وسواء عبر المشروعات الاقتصادية الخاصة، أم عبر الفضاء العقلي المحدود من قبل الفهم النصوصي الديني الجامد.
ونجد موسوي يطرح عبر شعارات عامة ما هو مناقض للفكر اليساري السابق غير المطور.
(بعد 20 سنة من الصّـمت السياسي، أعلن موسوي يوم 3 مارس 2009 ترشّـحه للرئاسة وحدّد أهدافه كالتالي: مَـأْسَـسة العدالة الاجتماعية والمساواة وحرية التعبير واستئصال الفساد وتسريع الخصخصة وإبعاد إيران، عمّـا أسماه “اقتصاد الصدقات”، الذي يمارسه الرئيس نجاد.).
(مأسسة العدالة الاجتماعية)، تعبير غامض، لكن شعاري الخصخصة وحرية التعبير يشيران إلى منحى الطبقة الوسطى التي تريد الخروج من الشمولية السياسية. فيغدو تعبير موسوي ابتعاداً عن نهج (اليسار) وتكشفاً لطبيعة التوجه المضمر خلال السنوات السابقة، واقتراباً من هذه الرأسمالية الغربية الحرة ، لكنه لا يطابقها، ويمشي في ظل النظام التقليدي الديني بدرجة أقل.

صحيفة اخبار الخليج
28 سبتمبر 2009