المنشور

التحليل والتغيير

إن قدرات الحركات السياسية الجديدة في البلد ضعيفة، وقد نشأت هذه على تعثرات ومحاولات تجديد من دون أن يحدث شيء جوهري ظاهر.
إن غيابَ التحليل للظاهرات الاجتماعية والسياسية هو بحدِ ذاتهِ مشكلة، لأن التحليلات تنأى عن الأدلجة، وتنشئ مناضلين، لا أصوات لما تريده قيادات، فلا تكتفي بالإصغاء بل تعتمد النقد، ولا تكتفي بالجلوس بل التغلغل بين الناس أساس المعرفة السياسية.
حدث الجمود هذا بسبب الانهيارات التي جرت في المنظومتين (الاشتراكية والقومية)، وحتى الآن لم يصل الكثير من القوى السياسية العربية عامة إلى أفكارٍ عميقةٍ وجدية عن هذه الانهيارات، وعدم الوصول بحد ذاته يشكل قضية كبيرة.
فالقيام بتحليلات لانهيار تلك المنظومات يفتح الطرق لمراجعة تاريخ هذه الحركات، بالإنجازات والأخطاء التي تمت، وكيف سادت رؤى الواقع بشكلٍ مبسط سابقاً، مما يطرح أهمية القيام بدراسات للطبقات الاجتماعية، خاصة للطبقات العاملة ومشكلاتها وللأبنية وحقائقها.
والتحليلات تقود إلى فهم النظام واقتصاده وحركية هذا الاقتصاد ومشكلاته، وهذا بدوره يشكل سياسة عقلانية للعقود التالية، لكن هذا الغياب التحليلي يجعل طبيعةَ التنظيمات السياسية هلاميةً من حيث الجسد التنظيمي، ومتذبذبةً بين القوى السياسية اليمينية المختلفة.
في مثل هذا الغياب التحليلي الذي كان يستوجب اتخاذ مواقف عميقة وصلبة تجاه التكوينات اليمينية المحافظة، تستثمرُ بعضُ القيادات السياسية مثل هذا الوضع، وتؤيدُ هذه الذبذبة الفكرية – السياسية لمصالح عابرة.
ومن هنا تأتي مصطلحاتٌ تقليديةٌ تُطرح بتضخمٍ وعاطفية وتكرسُ تصلبَ الماضي وتحجره، ليس بهدفِ دارستهِ وتحليله، وهو أمرٌ غابَ تماماً، بل لإيجاد مناخ ضبابي ايديولوجي يسهلُ لها التوجهَ لأهدافها الشخصية.
إن الفئات البرجوازية الصغيرة الدينية – والتحديثية تحاول أن ترتفع لمصاف البرجوازية الكبيرة من خلال هذا الحراك السياسي الذي يمشي فوق نشاط العمال المُغيبين من الوعي الطبقي العميق: من خلال تبرعات العمال والعاملين عموماً لصناديق الخير وللنقابات غير المصطفة بقوة مع الطبقة العاملة البحرينية – الأجنبية، وللتنظيمات المختلفة وعبر التصويت وإيجاد القوى السياسية التي لا ترفع هويات اجتماعية محددة تُحاسب عليها خلال (ديمقراطية) العمل السياسي الراهن أو المستقبلي.
ومن هنا نجد انه لا ينقصنا فقط غياب التحليلات المعمقة للكيانات السياسية وبرامجها وتاريخها، وإنجازاتها وأخطائها، بل ما يعاكس ذلك مما يجرى من حرق البخور وغياب المناقشة وضياع أصوات العمال وغياب حسهم النقدي تجاه خطابات لا تمثل مصالحهم.
ولأن بعض القيادات التحديثية تسعى لمصالحها فهي لا تريد أن تحللَ الواقعَ وتنتقدَ من يسبب انقسامات العاملين والجمهور، إنها تلاصقُ القيادات الدينية عسى أن تعطيها بعض الارتفاع السياسي، وبعض الجوائز السياسية، غير مهتمة بعقول الناس الذين قُسموا وفُككتْ وحدتهم الاجتماعية بسبب الخطابات الدينية المذهبية المقسمة لصفوفهم، والتي تقودهم للمجهول.
إن أي صراع سياسي مذهبي يجرى في المنطقة بين المحورين السياسيين المتصارعين ينعكسُ في كلِ بلدٍ عربي تمزيقاً وحروباً، وهو يمشي فوق أرضنا وعلى أجساد الناس، فماذا سيكون الأمرُ مستقبلاً؟
فلا بد من مواجهة الخطابات الدينية ونقدها وتوصيل ذلك للعامة، فإذا انتخبوا أناساً معينين يكونون مسئولين عما يجرى لهم مستقبلاً.
إن الآراء اليمينية الدينية والتحديثية هي انعكاس للدول الشمولية في الماضي والحاضر، تلك التي قسمت المسلمين وخلّفتهم وجعلتهم يتصارعون ويذوبون في غبار التاريخ، وكالدول الشمولية الشرقية التي استغلت العاملين وهمشتهم، وأخرجت الرأسماليات السوداء في خاتمة المطاف.

صحيفة اخبار الخليج
29 يناير 2010