المنشور

مهلا أيها السادة.. رفقاً بتاريخكم


لا أصدق ما أقرأ وأرى وأسمع ؟ هل أنا في وهم أم حقيقة ؟لا أدري. كيف تحولت ساحتنا الفكرية إلى معارك ضد الشرفاء؟ هل هذا كل ما ننتظره؟ ما الذي جرى يا إخوتي في النضال؟.
 
يقول جبران: “ناديتكم في سكينة الليل فهبيتم من رقادكم مذعورين، قلتم أين العدو لنصرعه، عند الصباح وقد جاء العدو بخيله ورجله فهربتم من أمامه مذعورين.. ماذا تريدون أن أفعل يا بني أمي؟ لقد غنيت لكم فلم ترقصوا ونحت أمامكم فلم تبكوا، هل تريدون أن أبكي وأترنم في آن واحد؟ أم تريدون أن أهدم ما بناه الآخرون”.
 
 ورحم الله أمي، لقد كانت تقول هذا المثل دائما: “إن أكلت قتلتك وإن ما أكلت قتلتك”، هذه المقولات تعكس دائما العقلية التي يعيشها الإنسان العربي إنها العقلية البرجوازية، وهو التنكر للآخرين أو أنه يستكثر عليهم حتى ذكرهم بالخير!.
 
إن الخوف والجبن والغيرة وحب التعالي والتملق هي الأسباب البارزة للهجوم على المناضل أو الأديب اللامع والمفكر الملتزم بقضايا شعبه في ساحتنا العربية، لقد هوجم محمد دكروب ومحمود أمين العالم ومحجوب وحسين مروة وغيرهم لكن لم نسمع مهاجمة المشعوذين والدجالين والهاربين عن ساحة المعركة والمفسدين.
 
هناك سؤال وجيه يتطلب الإجابة حول مسألة التعدي على المناضلين الذين نذروا حياتهم  لشعوبهم، وهو: لماذا الهجوم بالذات على الرموز الوطنية؟ هل خلت الساحة من المواضيع التي من الممكن أن تخدم الجماهير الشاسعة؟ هذه الجماهير التي تنتظر بفارغ الصبر من يساعدها على حل مشاكلها اليومية وهي إيجاد سكن وأكل وشرب.. هل حصل الناس على كل حقوقهم؟، هل هذه  هي “الجائزة” الذي نقدمها للمناضل والكاتب والشاعر؟،  آم لأن هؤلاء الأشخاص مهمون؟
 
   يقول ماركس: “لو لم نكن مهمين لما هَاجَمنا حتى من يسمون أنفسهم بالتقدميين”.
 
لماذا نسوه حينما كان في السجن أو المنفى؟ لماذا يتساءل فقط الآن عن تكريمه وإحياء ذكرى وفاته أو استشهاده أو الذكرى المئوية له؟  إنه لمن الغرائب أن نستكثر على المناضل إحياء ذكرى وفاته أو تمجيد كتاب له، إن هذه الإشادة البسيطة لا تساوي  في حجمها  يوماً واحداً قضاه المناضل في السجن و تحت التعذيب أو خارج وطنه! لماذا هذا الشح والبخل على شموعنا الوطنية؟.
 
كل مناضل يستحق التقدير والإشادة لأنه غرس لنا تقاليد عظيمة تسير عليها الشعوب.  إن الشاعر والمناضل والشهيد والروائي هم رموز في حياتنا، وهم رئة لهذه الحياة نتنفس من خلالها، لا يجوز أن نتجاوزهم هكذا وبجرة قلم، لأننا إذا عملنا ذلك فقد تجاوزنا أنفسنا، يكفي أن المناضل سجل موقفا في زمن الشح و الجور.
 
علينا أن نراجع أنفسنا لأنه ليس من صفات الشرفاء نكران الأبطال لأن ذلك يقود الإنسان إلى التبجح بالنفس.علينا أن نعترف بأولئك الناس الذين نسوا أنفسهم وتجاهلوا طموحاتهم وعاشوا حياة رثة لا تليق بإنسان مثلهم   وأسسوا واستمروا وواصلوا الإنتماء في وقت كان القابض على فكره كالقابض على جمر.
 
إن ما يسطره أي شاعر أو أي أديب  من كلمة أو حرف تكفي أن تكون شحنة إيجابية تدفع بالكادحين إلى الأمام، فالكلمة الحقة هي في مدلولها الإنساني لا اللغوي فقط، إن ما نراه في بعض الأحيان من هجوم وتجريح للآخرين وشطب أسمائهم  هي محاولات فاشلة ومغرضة وفعلها سيء على شخصية صاحبها الذي يريد حتما مكانة عالية. فهو بهذا العمل يفقد ما بناه من مكانة له في نفوس الآخرين.. والغريب أن ذلك يتم تحت عنوان “النقد”.
 
 لقد أصبح مفهوم النقد مقلوباً لديه، ففي الوقت الذي يكون النقد أداة بناء وتغيير يصبح كالمعول الذي يهدم ويشوه ما بناه الآخرون، النقد هو أيضاً مشاطرة للرفاق في تحمل الأعباء وليس الخروج عليهم.
 
النقد هو إبراز الجوانب الايجابية وتمحيصها من السلبيات، النقد هو تسليط الضوء على المقولة أو الموضوع أو الفعل الذي يخدم المحرومين، لقد شاخت مفاهيم قديمة مثل  “الجمالية للجمالية” و “الفن للفن” مثلما شاخت “الوجودية” وفلسفة نهاية التاريخ،إذا توقف النقد عن ملامسة الجرح الدامي لشعوبنا خاصة  المضطهدين والمحرومين يبقى كالجثة المحنطة  بدون قلب أو حياة.
 
إن الذين يتلذذون بضرب غيرهم، بوعي أو بدون وعي، ويعيبون عملهم ونضالهم وكتاباتهم وهم على معرفة تامة بالظرف الذي عاشه المناضل، والجحيم الذي كان يتقلب على جمره، إنما يقومون بخدمة أعدائهم وأعداء الحركة الوطنية. 
 
إن المسألة محكومة بظروف ذاتية وموضوعية والمناضل في بلادنا يعمل فوق إمكانياته المحدودة وفوق المعطيات التي في متناول يده  .. نرى أيضا أن هؤلاء يهربون من ساحة المعركة وإذا تسنت لهم الظروف ومسكوا أي عمل من الأعمال فإنهم يحاولون تهميش غيرهم والتقليل من شأنهم ويذوقونهم المر والعذاب ويتناسون حتى أبسط المعاملة  والأدب،إنهم يبحثون عن ضحايا لكي يجنون عليهم.
 
إن المثقفين هم أخطر الناس في تحولاتهم الفكرية من ضفة إلى ضفة أخرى، إن التملق أسلوب ناجح في أكثر الأحيان، فهم وبهجومهم على الشرفاء يتملقون السلطات بطريقة يحفظون فيها ماء وجوههم.
 
نعم، ليس هناك شخص خال من السلبيات، ومن يريد عملاً خالياً من السلبيات فليغلق باب الغرفة عليه، نحن مدعوون لنقد وتجاوز سلبياتنا فالسلبيات ليست عيبا ولكن عدم القدرة على المواجهة ونقد الذات هو العيب نفسه، النقد هو أسمى ما يتحلى به المرء ويدل على التواضع، ليست هناك ملائكة وشياطين إنما هناك من يتواضع وهناك من يتكبر على الآخرين.