المنشور

تقرير “هيومن رايتس ووتش” ومسئولية الدولة


يلقي تقرير ” هيومن رايس ووتش” في ما نسبه من اتهامات إلى أجهزة الامن البحرينية من قيامها بارتكاب جرائم خطيرة وانتهاك كبير إلى القانون الدولي، أثناء استجوابها المحتجزين، وإلى إحياءها سياسة التعذيب الممنهج لانتزاع الاعترافات أثناء التحقيق، يلقي بمسئولية كبيرة على عاتق الدولة، سواء أمام الرأى العام الداخلي أو أمام المجتمع الدولي.

 فبحكم التزاماتها الداخلية طبقاً للدستور والقوانين المحلية،  وطبقاً إلى التزاماتها الخارجية أمام المجتمع الدولي بموجب المواثيق الدولية التى وقعت عليها وانضمت اليها مملكة البحرين، فإنه يقع على عاتق الدولة التزام لاتخاذ ما يلزم من الاجراءات الكفيلة باطلاق تحقيق جاد ونزيه وحيادي للتحقق من صحة روايات التعذيب التي وردت في التقرير خاصة وأنها اتهامات مدعمة بتقارير طبية وأحكام قضائية وشهادات وصفتها المنظمة الدولية بأنها متسقة على طول الخط وذات مصداقية .
وترتكز هذة المسئولية على المستوى الداخلي من حكم  الفقرة (د) من  المادة 19 من الدستور، التي يعد التعذيب لانتزاع الاعترافات أو المعلومات من المتهم بموجبها ليس فقط محظوراً، بل وجريمة يعاقب عليها القانون.

 حيث تنص على “حظرتعريض أي إنسان للتعذيب المادي أو المعنوي، أو للإغراء ، أو للمعاملة الحاطة بالكرامة “وعلى أن “يحدد القانون عقوبة من يفعل ذلك”.
ولهذا  جاء حكم المادة 208 من قانون العقوبات الجنائية  لينص على معاقبة “كل موظف عام استعمل التعديب أو القوة أو التهديد بنفسه أو بواسطة غيره مع متهم لحمله على الاعتراف بجريمة أو الادلاء بأقوال أو معلومات في شأنها. وتكون العقوبة السجن المؤبد إذا افضى استعمال التعذيب أو القوة إلى الموت”.

من هنا فإن التزام الدولة ممثلة في الحكومة بالأمر باجراء التحقيق في روايات التعذيب التي وردت في التقرير هو  أولا واجب ومسئولية قانونية يتطلبها الدستور والقانون وهو علاوة على ذلك  مسئولية أدبية وأخلاقية كون الاتهام موجهاً إلى أحد الاجهزة التابع لها كسلطة تنفيذية. وهذا ما يحملها مسئولية إضافية في التعامل بكثير من الجدية مع هذا الاتهام والتوصيات التى جاءت في التقرير. وأن أولى الخطوات على هذا الطريق هو الأمر باجراء التحقيق للكشف ما إذا كان هذا الجهاز قد التزم باحكام الدستور والقانون أثناء أدائه  وظيفته، وأن موظفيه لم يسيئوا استعمال وظيفتهم وسلطتهم كما هو منسوب إليهم.

هذا من حيث التزام الدولة أمام الرأى العام الداخلي، أما من حيث التزامها أمام المجتمع الدولي فيقوم هذا الالتزام على أساس توقيع البحرين وانضمامها الى “اتفاقية مناهضة التعديب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو الانسانية أو المهنية ” وغيرها من الاتفاقيات الدولية.

وهذه الاتفاقية تنص في المادة 12 منها على أن كل دولة من الدول الاطراف في هذة الاتفاقية ” تضمن قيام سلطاتها المختصة باجراء تحقيق سريع ونزيه كلما وجدت أسباباً معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن عملا من أعمال التعذيب قد ارتكب في أى من الاقاليم الخاضعة لولايتها القضائية “.

ومن نافل القول أن النتيجة التى خلص اليها تقرير ” هيومن رايتس ووتش ” من قيام مسئولي الأمن ومند 2007 “باستخدام أساليب ممنهجة وتقنيات مؤلمة جسدياً لانتزاع الاعترافات من الكثير ممن تم اعتقالهم” . إضافة إلى تذكير التقرير بتاريخ البحرين في قضايا التعديب قبل 2001، ومطالبة المنظمة الدولية للحكومة “بتحركات جدية تجاه وقف التعذيب الممنهج الذي عاد مند عام 2007 ” كما جاء على لسان ممثليها في المؤتمر الصحفي، لهي  أكثر من أسباب معقولة تدعو لاعطاء الامر بالبدء باجراء التحقيق.

إن مملكة البحرين دولة طرف في المجتمع الدولي وهي تعهدت عند انضمامها إلى اتفاقية مناهضة التعذيب على أن تضمن أن تكون جميع أعمال التعذيب جرائم بموجب قانونها الجنائي، وكذلك  عند قيام أى شخص بأية محاولة لممارسة التعذيب أو قيامه بأي عمل يشكل تواطئاً ومشاركة في التعذيب ( المادة 4 ). وهذا التعهد يلقي على عاتقها أمام المجتمع الدولي مسئولية بأن لا تتهاون مع أي ادعاءات جدية بحدوث التعذيب على أراضيها.

في الختام يجب التنبيه بأن التسفيه في تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش أوالتشكيك فيه لن ينفع، وإن ما سينفع هو التعامل معه بجدية ليس من أجل تبييض وجهنا في الخارج وإنما من أجل البحرين ومستقبلها أولاً.