المنشور

في الطريق إلى مراكز الاقتراع

بعد أن استكملت مختلف القوى السياسية والمجتمعية مهمة تقديم قوائمها الانتخابية وشخصياتها المستقلة للانتخابات النيابية والبلدية في أكتوبر القادم، أضحت مسؤولية الناخبين والشرائح المجتمعية مضاعفة. فالمتتبع لحديث الشارع البحريني طيلة السنوات الثماني الماضية وهي فترة انعقاد الفصلين التشريعيين المنتهيين، يستطيع أن يلحظ بسهولة حجم وأسباب التذمر والإحباط تجاه مستوى أداء السلطة التشريعية بشكل عام ومجلس النواب بشكل خاص، بالطبع هناك مبالغة وأحيانا عدم فهم من قبل البعض لمهمات السلطة التشريعية وإمكانياتها المتاحة، وبكل تأكيد لا تمتلك السلطة التشريعية تلك العصا السحرية لقلب الموازين رأسا على عقب أو حتى إحداث ذلك التغيير الدراماتيكي باتجاه تحسين مختلف الأوضاع المعيشية والمطلبية والحقوقية، خاصة تلك التي بقيت لعقود طويلة تُراكم من حولها الأخطاء ومزيد من التعقيدات والمصاعب، ففي بلد كالبحرين بكل هذا التنوع وتعارض المصالح وتداخل السلطات والملفات والقضايا المعلقة إلى ما لا نهاية، لا يمكن أن تستقيم سكة الإصلاح هكذا اعتمادا على حسن النوايا وحدها، فمسار الإصلاح طويل ويحتاج إلى إرادة حقيقة وإيمان بضرورات الإصلاح والتغيير، وهو قبل ذلك يحتاج إلى قوى تستطيع أن تستوعب وتتعلم طبيعة وحجم وماهية ما يحوم حول الإصلاح ومشهد التحولات برمته وما يتداخل فيه من مصالح متضاربة أحيانا كثيرة حد التناقض وحتى المواجهة!
وحتى نعود مجددا إلى حديث الشارع قبيل أسابيع بل أيام من موعد الانتخابات، يجدر القول ان على الشارع أن يمتلك القدرة على إقناعنا انه قد تغير واستوعب قدرا كبيرا من أصول اللعبة وأساسيات الفهم المطلوب بحسب عمر التجربة ومسارها والدور الذي عليه أن يدلل على قدرته أن يلعبه من الآن فصاعدا، فمن السهل جدا أن نعيد ونكرر حجم التعقيدات التي تحوم حول قدرة مجلس النواب في ظل كل تلك التعقيدات التي تحيط بالعمل التشريعي والرقابي وقيود اللائحة الداخلية للمجلس وغيرها من مسائل والخلل الواضح في بنية وتركيبة مجلس النواب، كذلك بطء التشريع وتراجع الدور الرقابي والحاجة لمزيد من الجدية والجرأة، وغيرها الكثير مما بتنا نحفظه عن ظهر قلب وكلها أمور ومسلمات لا زالت محور عملنا اليومي كقوى سياسية شاركت غالبيتها في التجربة وهي تعلم كل ذلك، ولكن أليس أجدر بنا أن نطرح سؤالا مباشرا أمام جمهور الناخبين ومن مختلف الشرائح الاجتماعية والسياسية مفاده: أين هو دورنا كجماهير وناخبين في تصحيح جزء مهم وأساسي من المسار نحو مؤسسة تشريعية ومجلس نيابي يكون قادرا على إحداث الفرق، ولو كان محدودا، عبر الوعي بضرورة إيصال من يستطيعون بقدراتهم وكفاءاتهم ووطنيتهم وإخلاصهم للتجربة وللناس عبر الإصرار على تأصيل الوعي بضرورة إيصال الكفاءات المخلصة دون الاستسلام لدعوات الفرقة والانحياز للطائفة أو القبيلة أو الحزب أو عوامل القرابة والمناطقية التي كثيرا ما تأتي على حساب مقومات الكفاءة السياسية التي يجب أن تكون معيار الاختيار الأول لمجلس النواب باعتباره أهم مؤسسة سياسية، فعلينا تكمن مسئولية مضاعفة في عدم السماح بوصول من لا تهمهم سوى الوجاهات وتلويث أجوائنا المتسامحة بهواء الطائفية الفاسد والمساومات حول قضايا الفساد التي تستنزف مواردنا كل يوم، وإرجاعنا عقودا إلى الوراء عبر شعارات براقة لا تستطيع أن تصمد طويلا أمام نوازع مطلقيها المريضة والعاجزة والمعيقة لدرب التقدم والازدهار الذي وعدنا به طويلا، ونراه يبتعد مليا بكل أسف بفعل ما أحدثته قوى الردة الحضارية من إنهاك لمجتمعنا وعلى أكثر من صعيد!
إذًا هي مسؤولية مضاعفة يجب أن يتحمل جزءا مهما منها جمهور الناخبين الذي ستعمل تلك القوى على توظيفه لذات الصورة السيئة لخدمة توجهاتها المعلنة وغير المعلنة والتي فضحتها ممارسات الفصلين التشريعيين الماضيين، ولا عذر بعدها سيبقى مقبولا أمام من سيذهبون في الثالث والعشرين من أكتوبر القادم إلى صناديق الاقتراع إن هم أعادوا الكَرّة ثانية لإيصال من دللت التجربة أنهم كانوا إحدى أهم الإعاقات الحقيقية أمام التقدم ومن بسببهم همشت كل قضايانا الرئيسية لتستبدل هكذا بقضايا لا تنتج خبزا ولا تحترم عرق كادحينا ومستقبل أطفالهم، ليسهموا بعلم وأحيانا بغير علم في جر مجتمعنا إلى الوراء وتمزيق لحمته الاجتماعية شر تمزيق، فلتستعيد جماهيرنا فعلها الخلاق وتعاود امتلاك قرارها المُغيب والمُصادر لصالح دعوات شتى، أثبتت التجربة بؤسها وسوء توظيف تلك القوى المهيمنة راهنا لها، حتى لا نعيق طموحات شعبنا لبلوغ حياة حرة كريمة يحترم فيها الإنسان ويصان فيها الوطن ومستقبله.
 
صحيفة الايام
29 سبتمبر 2010