المنشور

قراءة في المشهد العربي.. تجديد إشكالية المشروعية (2)

مكامن العجز
ما هي الاسباب أومكامن العجز؟ أو بصورة ادق كما يقول علي حرب اين مكمن الخلل في كل هذا العجز والتردي والتفكك؟
يعتقد الباحث ان جذور المشكلة يكمن في مرجعيات وانماط الرؤية اي في عالم الفكر بنظامه ومسبقاته او بقوله واحكامه او بادارته وسياسته وان ازماننا ليس مصدرها اقدارنا فقط بل افكارنا بشكل خاص كما تتجسد في العقليات والمرجعيات والنماذج والمقولات والعقائد والطقوس التي تهيمن على المشهد الثقافي العربي وتتحكم في الخطابات لكي تنتج المآزق والعوائق.
ويرجع كل هذا العجز والخلل الى المسببات التالية:
– عبادة الاصول ويقصد بذلك ان النرجسية الدينية وعقيدة الاصطفاء هي من ابرز عوائق المشروع الحضاري اذ هي تختم على العقل لكي تنتج النموذج المهيمن على المشهد الفكري بنسخه الثلاث:
1- الداعية التراثي الذي يعتقد ان الشرائع القديمة تنطوي على اجوبة وحلول لكل الاسئلة والمشكلات الراهنة او الذي يلجأ بنوع من الزيف والسطو على المعارف الى التفتيش عن نسب اسلامي لكل انجاز غربي في مجال المعرفة والحقوق والحريات كما هي دعوى الذي يقول ان الغربيين تقدموا لانهم اخذوا عن القرآن المنهج التجريبي في الدرس والبحث او الذي يقوى بان الاسلام اتى ليحرر المرأة.
2- الابله الثقافي هو الشخص القاصر الذي يجري غسل دماغه على يد شيخه او اميره لكي يصبح طوع امره بحيث ينفذ بصورة آلية ما يُملى عليه، بقدر ان سعادته تتحقق في تقليد الماضين والتطابق معهم في كل ما قالوه او فعلوه وفي مختلف شؤون الحياة.
3- الاصولي الارهابي الذي يدعى امتلاك مفاتيح الحقيقة والهداية والسعادة لانقاذ الامة الاسلامية والبشرية جمعاء من الكفر والفساد بمعاداة التغيير والعمل على استئصال الاختلاف والتنوع ولتطبيق تعاليم واحكام في الفكر والعيش تحول الاسلام الى ثقافة للتخويف والترهيب او شرطة للملاحقة والادانة.
هذه هي النماذج التي تنتجها الثقافة الدينية الرائجة بمرشديها ورموزها الذين يملأون الاسماع والشاشات باحاديثهم ومواعظهم والنتيجة هي التطرف والانغلاق والعجز والتحجر والادعاء والتقليد الاعمى.
– عبادة الحداثة و المقصود بذلك ان الحداثيين على اختلاف منطلقاتهم اخفقوا في تطوير العناوين والمفاهيم التي تداولوها طوال عقود حول التقدم والحرية والعقلانية والحداثة كما انهم لم يستطيعوا ابتكار صيغ ونظريات خارقة تتعدى النطاق العربي لكي تخلق مجالها التداولي على ساحة الفكر العالمي والعلة في ذلك انهم تعاملوا مع الافكار الحديثة بعقلية التبشير والترويج والتقليد بقدر ما مارسوا طقوس العبادة والتأليه للشعارات والاسماء والنصوص في حين ان الفكرة الحية والخلاقة تتطور من حيث دلالاتها ومفاعليها في اتون التجربة والمعاناة لكي تسهم في تغيير اصحابها وتحويل الواقع في آن.
وفي مقابل ذلك يقول: لا مراء ان في العالم العربي مفكرين وادباء وكتاباً وفنانين مبدعين او خلاقين في مجال المعرفة والثقافة ولكنهم ليسوا الفئة الغالبة فالسيطرة هي للوعاظ والمرشدين او لدعاة او لحراس الهوية وشرطة العقائد وسواهم من الذين يمارسون التعمية الايديولوجية والشعوذة الثقافية والتشنج القومي والتهويل الديني.
– هواجس الهوية في هذا الجانب يتحدث حرب عن هواجس الهوية كاحد العوامل المعيقة للتفكير الحي ومن هذا المنطلق ير تغليب الاعتبارات الايديولوجية على المشاغل العلمية تجعل العامل في ميادين المعرفة يتحول الى داعية يدافع عن هويته الثقافية او الى مناضل ضد الغزو الثقافي في حين ان الثقافة الحية هي قدرتها على الانتشار والتداول خارج موطنها الاصلي ومن المفارقات الفاضحة في هذا الخصوص ان نقف موقف السلبي والنفي من ثقافة وفلسفة الغرب على ما يفعل فلاسفتنا ونقادنا من حراس الهوية والخصوصية حيث نجد حماة الاسلام والعروبة يطلون عبر الشاشات بتهويماتهم النضالية لكي يهاجموا الغزو الثقافي والاعلامي والمحصلة لذلك هو التعامل مع الخصوصية الثقافية بصورة هشة.
– ارادة التأله يقول حرب عن هذه المشكلة ثمة صورة طاغية على الحياة العربية تفضح السلوك السياسي والثقافي هي صورة الزعيم الاوحد والقائد الملهم والبطل المنقذ الذي تمارس تجاهه طقوس التبجيل والتعظيم بقدر ما تملأ صوره وخطبه وتما ثيله الساحات والشاشات انها اطياف الحاكم بامره في شخصه المتأله الذي يختزل وطنه ودولته في شخصه المتأله الذي يسأل ولا يُسأل فهو المالك الذي يتصرف في ملكه كما يشاء فيستبيح الحُرمات ويصادر العقول والممتلكات لاهم له سوى البقاء في السلطة وجمع الثروة وتلك هي الفضيحة والخديعة.
– برؤيتنا الانسانية وحول ذلك يعتقد اننا نمارس وطنيتنا او عقيدتنا بل انسانيتنا بعقلية صدام او شارون وغوبلز والحجاج ونيرون وسواهم من الطغاة لان صور هؤلاء تستوطن العقل وتعشش في الذاكرة، نحن ندعي باننا دعاة تحرير وتنوير فيما نحن مصابون بالعمى الايديولوجي وممارسة التعصب الفاشي، والديني او القومي.
– ولذلك فان احوج ما نحتاجه اليه الآن هو ممارسة النقد لنماذجنا الانسانية والخلقية فليست الانظمة السياسية وحدها المسؤولة عن المظالم والهزائم والكوارث، العلة تكمن في نظام الفكر بقناعته الالفية وخرافاته العقائدية بتصنيفاته الارهابية وبقوالبه المتحجرة وشعوذاته الثقافية.
– الخلاصة اننا احوج ما نحتاج اليه الآن عرباً وبشراً في مواجهة التحديات والازمات والمخاطر المشتركة الامنية والبيئية او الصحية والاجتماعية كما تتجلى في تفاقم العنف او تزايد الفقر والتسلط او او تدهور البيئة والمجال الحيوي: تجديد اشكال المصداقية المعرفية والمشروعية الخلقية والسياسية بتغذية العناوين وتجديد المفاهيم والمعايير المتعلقة بمفردات الوجود، بالانسان والعقل والحقيقة او بالحقوق والعدالة والحرية او بالتقدم والسلام والنمو البشري او العمل الحضاري.
 
صحيفة الايام
27 نوفمبر 2010