المنشور

ملاحظات حول برنامج عمل الحكومة!


خلصنا في مقالة الأسبوع الماضي إلى ما رسمه خطاب جلالة الملك من خارطة طريق نتوسم أن تلقى تفعيلا ملائما نواجه به ما يعترضنا من تحديات تنموية متعاظمة خلال السنوات الأربع القادمة تحديدا.
 بعدها بلور برنامج عمل الحكومة الذي رفعته للمجلس الوطني منتصف الأسبوع الماضي رؤية الدولة وتوجهاتها للمرحلة القادمة، وهو الأمر المفترض أن تتبعه خطوات عملية حتى لا يكون محض استنساخ لما سبقه من برامج خاصة وأن مؤشرات السلطة التنفيذية تخبرنا أن الحكومة استكملت فقط ما نسبتة 62% من ميزانية المشاريع لعام 2009، وبعد أن كان لدينا فوائض مالية قبيل الأزمة المالية الأخيرة، اتجهنا عوضا عن ذلك للاستدانة لتغطية ما أصاب موازنتنا من عجوزات، وسيبلغ حجم الدين العام للدولة مع نهاية 2012 ما مجموعه 5800 مليون دينار وهو ما يعني بكل تأكيد قفزة كبرى متوقعة في خدمة الدين وما يعنيه ذلك من عبء مضاعف على الموازنة العامة وستتأثر تبعا لذلك اعتمادات الكثير من المشاريع الحيوية بكل تأكيد، ومنها الإسكان والتعليم والصحة وغيرها، ويكفي القول ان زيادة مخصصات الإسكان التي تصل الى 636 مليون دينار للأربع السنوات القادمة لن توفر سوى 4039 وحدة سكنية، في حين يظل الحديث محل جدل لا ينتهي عن رفع سقف القروض الإسكانية، فيما تفوق طلبات الإسكان السنوية 7000 طلب وهي مرشحة للزيادة بكل تأكيد.

وحتى نحظى بمتابعة أمينة لبرنامج عمل الحكومة خلال السنوات الأربع القادمة يتوجب علينا القول ان توجهات الحكومة حيال تطوير البنية التحتية قد حققت نجاحا نسبيا مقبولا، بمثل ما نجحت في تحجيم قضية البطالة، ويبدو أننا بصدد خطوات جادة نحو تطوير التعليم في جميع مراحله وتحسين مخرجاته. ولكن علينا القول بعد ذلك ان جملة من القضايا المفصلية تجاه عملية التنمية الشاملة لا زالت تحتاج الى معالجات مختلفة بكل تأكيد، فلا زلنا نجهل عدم وجود خطة واضحة المعالم للتعاطي مع القضية الإسكانية، فأين هو مشروع المدينة الشمالية وأين مشروع البحير الإسكاني ومشروعا سترة والحد وغيرها من المشاريع الإسكانية المعطلة منذ فترة طويلة، يحدث هذا في الوقت الذي لم نسمع إجابة بعد وبشكل واضح عن مغزى التردد في التوجه نحو الشراكة مع القطاع الخاص في هذا الصدد.
ومن جهة أخرى يبقى الحديث حول تنويع مصادر الدخل غامضاً دون وجود خطة واضحة المعالم قابلة للتنفيذ وهو حديث يصطدم بحقيقة مقلقة مفادها أن اكثر من 75% من الدخل القومي للدولة لازال يضعنا تحت رحمة تقلبات أسعار النفط ! ولا زالت البيئة الاستثمارية طاردة بسبب تفشي الممارسات البيروقراطية وبعض وجوه الفساد وهو أمر بحد ذاته يحتاج الى برنامج عمل لا تنقصه الجدية، ولا زالت محدودية الأراضي المخصصة للاستثمار تقف عائقا أمام جلب الاستثمارات الخارجية والمحلية، وتظل مسألة استيراد الغاز عائقا حقيقيا أمام أي تطور مستقبلي تنوي الدولة المضي فيه بالنسبة لتنويع مصادر الدخل في الوقت الراهن، وهي قضية لا يمكنها ان تنتظر نتائج مشاريع التنقيب الجارية والتي لن تكون متوافرة قبل العام 2017 كما أعلنت الحكومة مرارا، وهو أمرا جدا معيق لتوجهات أخرى أعلنتها الحكومة من خلال برنامجها للتحول نحو الاستثمار في الصناعات الصغيرة والمتوسطة وما تقدمه من قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.

كذلك فان برنامج عمل الحكومة لم يقدم المزيد من التفاصيل بالنسبة لتوجهات الدولة نحو تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، ففي ظل تراجع أوضاع الفئات المتوسطة والدنيا المحرك الأساس لعجلة التنمية.
 
 نحتاج بكل تأكيد لإجابات وخطط معلنة في هذا الصدد، كما تبقى مسألة رفع أو توجيه الدعم عن السلع الأساسية هي الأبرز على الساحة، وهي حديث كل مجلس وتجمع نظرا لما تثيره من مخاوف حقيقية ترتبط بحياة الناس ومداخيلهم وبمعدلات الفقر وتوزيع الثروة والعدالة وهي أمور يجب ان تتسق مع خطة البحرين الإستراتيجية 2030، ومن دون الإجابة على كل ذلك وبوضوح سيظل التساؤل مشروعا حيال توجهات الدولة القادمة لتحسين الأوضاع المعيشية للناس! وحتى لا يصبح النقيض لكل ذلك هو ما يصلنا من تسريبات رسمية باتت تأخذ شكل الحقائق عن تراجع الحكومة عن توحيد مزايا التأمينات الاجتماعية والتوجه عوضا عن ذلك نحو زيادة الاشتراكات التأمينية ورفع السن التقاعدية للمواطنين، وعدم الحديث عن  أي توجه لتحقيق زيادة عامة في الأجور في القطاعين العام والخاص، وهي تحديات لابد من التعاطي معها بصورة أكثر عملية، ولابد لمجلس النواب بكل كتله أن يعزز من حضوره تجاهها.