المنشور

إشكالية حزبِ الأغلبية

هو حزبُ الأغلبية وسيطرَ على البرلمان لكن الأغلبية في الشارع تثور عليه، فأي أغلبية حققها؟
هذا يعني أن المؤسسات الرسمية المهيمنة على القرار كان يمكن أن تمضي بهذا القرار إلى التضاد الكلي العميق مع الأغلبية التي زعمتْ هذه المؤسسات أنها تنطق باسمها.
من الواضح ان حزب(الأغلبية) التهم المؤسسات الاقتصادية والسياسية والعسكرية لقلةٍ معينةٍ راحت توغل في إيجاد المكاسب الذاتية لها.
الأجيالُ القديمةُ التي حققتْ بعضَ العيش الجيد في زمن (أغلبية) الحيتان هذه استقرت على ردود فعل مع الواقع السيئ واعتادت على أن تُركل سياسياً وتهمش اجتماعياً وتسوء معاملتها وتعتمد على روح الزحف والانبطاح.
وحزب الأغلبية هذا ليس هو ناشئ من اليوم بل خلال عدة عقود، وتلون من (هيئة التحرير) مروراً بالاتحاد الاشتراكي حتى الحزب الوطني الديمقراطي، وفي كل مرحلة يلتهمُ أجزاء من جسد البلد حتى تعفن الواقع السياسي الاجتماعي الثقافي.
تبدى هذا المستنقع في حراك الأحزاب المعارضة خلال عقود من خلال نخبها المعزولة عن الجمهور، حيث مقراتها وعلاقاتها بالسلطة التنفيذية وبعض الرشا والمكاسب الصغيرة التي تُعطى لزعمائِها وانتهازييها بحيث أنشأتْ سياسةَ التبعية وثقافة القنوات الرسمية والعجز وغياب الممكن التحويلي للحياة.
يمكن أن تكون هناك برامج مليئة بالكلام، وندوات صارخة، وإعلام نخبوي، لكن خلال كل هذه السنوات الطويلة لم تستطعْ أن تقيمَ أي علاقةٍ مع الشارعِ القريب منها، أو أن تحتك بشرائح الشباب المدانة بالسلبية وبعدم الاهتمام بالسياسة والجاثمة في المقاهي وغرف الإنترنت.
لم تكن أحزاب المعارضة العائشة في مناخ التخدير إلا ذات صلات بالرجال الكبار السن الذين يعيشون في ذكرياتهم السياسية التي تنتمي لعقودٍ سابقة، وحين يجلسون يسترجعون الماضي بمرارته وحلاوته، في حالات تخدير ونشوات نضالية عظيمة زائفة بالعلاقة مع الواقع.
ويقوم الحزب الوطني الديمقراطي باستدعاء رموز من هؤلاء ويعطيهم جوائز وشهادات النضال القديمة ومناصب تزيدهم عزلة عن الواقع وغرقاً في الفساد الاجتماعي، حيث النخب القديمة والأجيال التي حصلت على بيوت وشقق وأعمال ومناصب.
إنها استرخت وغدت الجمل السياسية مفصلة على هذه العزلة والانتهازية، برامج مليئة بالورق ولكن لا قدم واحدة تمشي في أزقة المحرومين ولا عين تبصر الحارات.
كانوا قادة النضالات والهبات الجماهيرية المدافعين عن حياة الشعب وحريات عيشه لكنهم تجمدوا.
ما هي الأسباب؟ هل هو القمع والمكاسب الصغيرة والتغلغل البوليسي الداخلي؟ ربما.
نعم إن حزب السلطة هو حزب الأغلبية، لكنها الأغلبية الفاسدة من كل لون، استلَّ عصارةَ النضال من الأحزاب القديمة، حنطها في مقراتها، سلبها بصرَها وركبَ على وجوهها نظارات مشوهة، ونزع من أجهزة السلطة المسئولية والكرامة والوطنية والموضوعية والمحاسبة الدقيقة للأخطاء، وجعل من الرشوة والعيارة والفهلوة أصناماً معبودة.
الشباب الذي لم يدخل الأحزاب ولم يتمرغ بالطائفية وأفرغته الأجهزةُ من تراثهِ الوطني النضالي، فكان انعزاله نضالاً،أنطلاقا من غرف الإنترنت، وكانت مراسلاته حزباً ووحدة وطنية وبعثاً للأمة العربية التي لا تموت.
بعد أن صدأت الأجيال القديمة، وخافت وتجمدت، واستكانت وهاجرت، وعانت، فوجئت بالميلاد الجديد للوطن ولها وراحت تتنظف وتقاوم.

صحيفة اخبار الخليج
30 يناير 2011