المنشور

نظرة موضوعية مستقبلية


لا أحب النظرة الواحدية وحين يتوجه أخ ناقد إلى النظرة الواحدية في قراءة مقالتي (تقلبات غريبة لسياسيين)، فهو لا يبصر سوى جهة واحدة من الوجود ومن التاريخ، والحياة ذات ألوان متعددة.

فحين يركز الناقد في طرف واحد هو الطرف الحكومي المقصر في رأيه أبداً ودائماً فقط فهو يغدو غير قادر على التحليل، وقد قادتنا النظرات المحافظة القديمة المتعددة أن نكون أسرى لقراءات شاحبة للحياة وأن نطالع جهةً واحدة ونتجمد إن لم نتدمر في الزمن.

لابد أن تنقد كذلك نفسك والجهة التي تقف فيها، فليس من المعقول اننا بلا أخطاء وأن الفريق الآخر وحده هو المخطئ.

مآسي الواقع أكثر تعقيداً ونحن بحاجة لقراءة أبعد من ذاتنا المحبوسين فيها، وهنا يكشف التاريخ خطورة عدم التجذر في الفكر، واستخدام الاستعراض اللغوي كأداة وحيدة في فهم حدة الإنسان بين الفعل العقلاني والمغامرة الطائشة.

قاومنا طويلا وكثيرا المراهقين السياسيين الذين خطفوا شعبنَا في غمضة عين من المؤسسات الراقدة في بيروقراطيتها ومشيها السلحفائي في التنمية الوطنية وفي أخطائها التي راحت تعترف بها بخجل، وقاومنا أولئك العاجزين عن التحليل والدرس وكشف الأمراض الاجتماعية والمشكلات، الكسالى في العمل الصبور اليومي ونشطين جداً في المغامرات والانتحار السياسي!

ولكننا لن نؤيد كذلك المنفعلين ومن يريد صراعات طائفية مجددا بشكل آخر، ونحن دولة مستقلة وحرة ولا يعني دخول جيوش اخواننا هيمنةً علينا.

لقد وقفنا ضد أولئك وقلنا عن المشكلات العميقة في البلد التي يمكن أن تحل وتحتاج إلى نظرة صبور وصدر مفتوح، ولن نتوقف عن هذا.

لابد أن نقف ضد من يتجاوز القانون ولتظهر كل الإجراءات في ضوء الشمس وحتى لا يؤخذ الأبرياء بجرائم وتهم لم يقوموا بها.

ومن يرد أن يدفن رأسَهُ في الرمال وأن المشكلات لن تتكرر فهو واهم إذا كانت نظرته للواقع بهذا التبسيط وعدم التبصر.
الأخ يحسبني مصطفا في جهة معينة وإن كتابتي ذات غرض ذاتي، في حين أننا جميعاً يجب أن نخرج من الاصطفافات ونتبع النظرة الموضوعيةَ أينما وُجدت وبهذا نخفف إن لم نمنع الانهيارات الأرضية السياسية.

زميلي الناقد يستخدم الأسلوب الديني نفسه في إنتاج فكر سياسي معاصر، وهذا لا يجوز، كما يتم عزل مشاكلنا التي حدثت عندنا عن علاقاتها بدول الجوار.

استخدام الآيات وإدخالها في الحوار السياسي وعدم مناقشة المعضلات السياسية اليومية يوجد خللاً، فعدم مناقشة الأخطاء الكبيرة التي وقعت من جانب المعارضين المذهبيين السياسيين ومؤيديهم وإلقاء كل شيء على الجانب الآخر(الدولة) لن يفيد شيئاً.

وحين تستخدمُ الآيات القرآنية بهذا الوعي فهو أمر شديد الخطورة.
يذكر الأخ:
(يقول الله في محكم كتابه الكريم – بسم الله الرحمن الرحيم. «وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدلاونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمِاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِين» صدق الله العظيم). الاخ الكريم لا تقلق ولا نريد لك القلق بل نريد لك العزة والكرامة.

فالآية تتحدث عن الصراع بين المؤمنين والكفار في زمن مختلف وهذا لا يجوز تطبيقه على صراعنا الوطني الداخلي، فالاستخدام التأويلي الديني الذاتي السياسي هو خطر بحد ذاته، ومثاله لدى صاحبنا وقد حول الآية القرآنية وطبقها في مكان آخر، هي لا تدخل فيه، فصراعنا الأخوي البحريني هو صراع مواطنين مختلفين سياسياً وليس مختلفين في الإيمان والدين، ليس هو صراع بين مؤمنين وكفار. ومثل هذا الاشتغال السياسي الديني لهذه الجماعات محفوف بالمخاطر فهنا كلام مقدس لا يجوز استخدامه بهذه الأشكال.

إن اختلافنا ينطلق من جماعات تتبعُ نموذج دولة جارة لنا ذات (مشروع سياسي) خطر على شعبها وعلى شعوب المنطقة وإذا لم نقف (كلنا) ضد هذا المشروع تحطمنا جميعاً، ومن هنا كانت أدوات العمل السياسي المطروحة من قبل النظام في البحرين كثيرة لكل القوى السياسية وحذرة كذلك، وعدم استخدامها والإساءة في تطبيقها هما أمران تتحمل مسئوليتهما الجماعات التي أخطأت في ذلك، ويجب أن تراجعَ نفسها وتنتقد عملَها ومحافظتها الجامدة من أجل مصداقيتها وعودة وجودها للعمل الوطني، وهذا لا يعني عدم وجود الأخطاء أو القصور في الجانب الحكومي، لكن التغيير يحدث ويتراكم وقد تعطل الآن!

وإذا نحن كنا قلقين وخائفين على مصير وطننا فهذا أقل ما نفعله في مثل هذه اللحظة العصيبة متمنين من كل القوى السياسية النظرةَ الموضوعيةَ وبُعد النظر، أما استخدام الدين في العمل السياسي فهو يَظهر من مثال صاحبنا حيث قلة التبصر ومحدودية فهم الإسلام والاحتقان الذاتي، وهو أحد الجذور الكبرى للمشكلة.

منذ المشروع الإيراني المحافظ ونحن مبتلون بهذا (الوعي)، وتطور الديمقراطية الوطنية في البحرين يتطلب تطور الديمقراطية في إيران وفي القوى المحافظة الدينية التي لا تريد أن تتغير وفي كل جوانب المنطقة.

لقد انتقدنا المشروعات القومية الحادة سابقاً في كل من القاهرة وبغداد، فهي كذلك مغامرات، ولابد أن يقول المواطنون والعرب في المنطقة إن مشروع الحكم الإيراني هو مغامرةٌ كبيرةٌ خطرة. هذا الواجب التاريخي وما يمليه أي ضمير حر.

إن انضمام المحافظين الدينيين لمشروع الحداثة والتغيير الديمقراطي مع جمهور البحرين وجمهور إيران وكل القوى الشعبية والدول في المنطقة هو الحل.

فلا بد أن تناضلوا للديمقراطية في مختلف الجوانب والبلدان، ولا أن تغدو السياسة هيمنةً على بلدنا فقط.

شاركونا هذا النضال، هذا هو الحل!

أخبار الخليج 12 ابريل 2011