المنشور

قضايا كبرى غابت عن بنود الحوار


قد يتفهم المرء الوضع الضاغط أمنياً ونفسياً الذي جرت فيه الاستعدادات لعقد حوار التوافق الوطني والذي أراده صاحب الجلالة الملك مخرجاً من أزمة بلغت مستويات من الحدة والخسران لم تشهد لهما البحرين مثيلاً. وقد يتقبل المرء بناء على ذلك الأسلوب الانفرادي الذي تقررت به شئون الحوار من محاور رئيسية وفرعية، إلى آليات وإجراءات إلى اختيار المتحاورين، لكن ما كان مرجواً بعد ذلك أن تترك للمتحاورين فسحة قصيرة قبل بدء جلسات الحوار لغربلة المحاور وبنودها وإضافة ما يرونه جديراً بالتحاور والتوافق من قضايا كبرى مصيرية تحمل من الأهمية ما لا يفترض الغفلة عنه أو تجاهله.
سنتطرق هنا لبعض القضايا التي لم ترد ضمن بنود الحوار والتي نحسبها قضايا مهمة ومصيرية إذا نظرنا للحوار كمحطة تاريخية ستطرح حلولاً ليس للأزمة فحسب بل ومرئيات للبناء والنماء المستقبلي لهذا المجتمع. وهي قضايا تطرحها غالب القوى السياسية والمجتمعية كل بمنظوره الخاص الذي قد يكون عاماً شاملاً للقضية أو مجتزئاً لجانب منها وفقاً لرؤية القوى وفكرها. وتتشارك الدولة كقوة سياسية تدير المجتمع مع غيرها من القوى في طرح هذه القضايا والتبشير بها بين وقت وآخر. تداول هذه القضايا على طاولة الحوار والتوصل إلى توافقات بشأنها يقتضيه اختلاف الرؤى الحاصل حولها وحول سبل الأخذ بها.
 
1. الوحدة الوطنية: هذه هي قضية القضايا ما بعد الأحداث الأخيرة التي مر بها هذا المجتمع ولعل محصلتها تكون الأسوأ، ولسنا بحاجة للحديث هنا عما فاضت به الأنفس على الضفتين من عفن طائفي، فالشواهد كثيرة والأمثلة لا تحصى، ويكفي القول ان الاصطفاف الطائفي طال حتى العديدين ممن لم يؤمنوا يوماً بفكر طائفي أو يأتوا بمسلك طائفي.
لسنا بحاجة أيضا لنعدد العوامل والجهات التي غذََّت هذا العفن الطائفي وأزكته إن على صعيد الأجهزة الرسمية أو الجهات الأهلية فالكل يتحدث عنها. ما يعنينا هنا أن إعادة اللحمة الوطنية بندٌ كان يفترض أن يتخذ مكانه البارز على طاولة حوار التوافق الوطني، فجمع يمثل الطيف الوطني بجميع تلويناته من المجتمعين المحترمين في هذا الحوار كفيل بمناقشة الهوَّة الطائفية التي وقعنا بها والتوافق على السبل الأنجع لانتشال مجتمعنا منها.
 
2. الملكية الدستورية: بشّر ميثاق العمل الوطني بهذا المفهوم وبتطبيقه في مملكة البحرين تحت راية صاحب الجلالة الملك، وفي تجاوب واضح تبنت القوى السياسية على مشاربها هذا الشعار وطرحته في مناقشات جادة وضمّنته برامجها السياسية وطالبت به في كافة فعالياتها. لم يزل غيرَ جليٍ مدى استعداد المجتمع بكافة قواه لتطبيق المفهوم، هل بحذافيره؟ هل بمستوى من مستوياته؟ لم يزل غيرَ جليٍ أي مستوى تراه الدولة لتطبيق الملكية الدستورية ولم يحدث نقاشٌ مسبقٌ بينها وبين قوى المجتمع الأخرى حول هذه القضية، أليس حرياً بحوار التوافق الوطني أن يضع على أجندته مناقشة القضية وإجلاء الغبار المثار حولها سبيلاً للتوافق بشأنها؟
 
3. الدولة المدنية الحديثة: هذا المصطلح تردّد كثيراً على الساحة البحرينية طوال العقد الماضي، وازداد تداوله على اثر توقيع مملكة البحرين في العام 2006 على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وظل متداولاً إلى ما قبل الأزمة وأثنائها، طرحته ونادت به القوى والأطياف بكافة مشاربها ورؤاها بدءاً من الدولة فغالب القوى السياسية من جمعيات التيار الوطني الديمقراطي والجمعيات الإسلامية من جمعية الوفاق وصولاً لتجمع الوحدة الوطنية.
لسنا في هذا المقام بصدد البحث في المفهوم أو مناقشته وهو جديرٌ بذلك في مقام آخر، لكننا على ثقة من أمرين هما: أن قضية من هذا القبيل تتفاوت زوايا الرؤية لها تستحق المناقشة والتوافق المجتمعي، وأن واحداً من أهم المخارج الناجعة من الخاصية الإشكالية للمجتمع البحريني حاضراً ومستقبلاً يكمن في الأخذ بأسس ومبادئ الدولة المدنية الحديثة.
 
4. رؤية البحرين الاقتصادية حتى 2030: هذه رؤية وضعها مجلس التنمية الاقتصادية ودُشنت على يد صاحب الجلالة الملك وصاحب السمو رئيس الوزراء في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2008 ووضع مجلس الوزراء الاستراتيجية التنفيذية لهذه الرؤية وبُدئت خطوات التنفيذ. ألا تستحق هذه الرؤية أن تكون بنداً أساساً تحت المحور الاقتصادي؟
نعرف أن الرؤية قد نوقشت باستفاضة مع مجموعات من الاختصاصيين والمهتمين وأصحاب الرأي عدا عن بعض الهيئات الاختصاصية وبعض بيوت الخبرة الاستشارية والهيئات الدولية، لكن ألم تلقِ أزمة الأحداث الأخيرة بظلالها على الوضع الاقتصادي بمجمله والرؤية الاقتصادية مركزه وبؤرته الأساس؟ أليس في الجمع المحترم من الاقتصاديين المجتمعين في حوار التوافق الوطني القدرة التامة على مراجعة الرؤية في ضوء الهزة الكبرى التي تعرض لها هذا المجتمع وتقديم مرئيات تواكب ما جرى من تغيرات؟
 
5. الشراكة المجتمعية: وهو مفهوم تنموي حديث لا تستغني المجتمعات الساعية للتنمية المجتمعية الشاملة عن الأخذ به، ويقوم أساساً على تعميق الالتزام المجتمعي من خلال كيانات ومؤسسات المجتمع القائمة، وكذلك مشاركة أفراد المجتمع بالرأي والتطوع بالجهد والمال كل وفق قدراته وما يحوزه من خبرات في دعم مشروعات الدولة التنموية كبيرة كانت تلك المشروعات أم صغيرة، سياسية أم اقتصادية، حقوقية أم اجتماعية. ورغم ما يتميّز به المجتمع البحريني من تبلور مؤسسات المجتمع المدني إلا أننا نظن أن شراكة مجتمعية حقيقية بين تلك المؤسسات وبين خطط الدولة التنموية لم تتأسس بعد بشكل متكامل مثمر وفعال. والقطاع الخاص كأحد الأطراف الأساسية في التنمية المجتمعية ومع الإقرار بمبادراته في دعم خطط التنمية في البحرين، إلا أن دوراً أكثر فاعلية وأكثر عطاء مطلوب من هذا القطاع.
ومن الملاحظ ورود بنود في المحور الاقتصادي لحوار التوافق الوطني تذهب بهذا الاتجاه كالمسئولية الاجتماعية للشركات ودور القطاع الخاص في معالجة المشكلة الإسكانية، وكذلك ورود بند الشراكة المجتمعية لتحقيق الأمن في المحور الاجتماعي، وكل ذلك مقبول ومطلوب، لكننا نتحدث عن أولوية التداول المجتمعي حول المفهوم وقبوله. ونظن أن تحقيق نجاحات أكبر في تفعيل وتحفيز الشراكة المجتمعية رهن ببلوغ الأطراف المجتمعية درجات من الفهم والتفاهم والتوافق حول المفهوم في مجتمع ذي مصادر دخل محدودة كمجتمعنا، وليس أجدى من مناسبة لذلك مثل حوار التوافق الوطني.
 
6. الفساد: هل يُعقل أن تخلو المحاور من بند الفساد الآفة التي تنخر مجتمعنا ومثله غيره من مجتمعات؟ الفساد موجود وملموس وواضح للعيان وسنجده حاضراً في الأربعة محاور وعلى غير صعيد. صحيحٌ تميّز العقد الأخير بالكشف عن كثير من أغطية الفساد وتحققت خطوات نحسبها خجولة جداً في مواجهته، وصحيحٌ ورد بندٌ في المحور الاقتصادي يقول بالمساءلة المالية، لكننا بحاجة لوقفات حقيقية وشفافة حول مظاهر الفساد في كافة زوايا حياتنا، وقبل ذلك نحن بحاجة لقبول مجتمعي عام لمواجهة الفساد والتصدي للمفسدين بإرساء توافقات بين قوى المجتمع وبينهم وبين الدولة لاعتماد أنجع السبل لاستئصال الفساد أو لنقل لبدء استئصاله. بكل بساطة سيجد المتحاورون وفي جميع المحاور أنهم أمام غول كبير معيق لتحقيق الأهداف اسمه الفساد.
 
7. الفقر: ولا ضَير لدينا من تخفيف الكلمة بمسميات أخرى من قبيل «العوز الاقتصادي» أو «تدني المستوى المعيشي»، ليس بإمكان عاقل أن ينكر مظاهر العوز في أوساط قطاع غير قليل من الأسر البحرينية. ولعل قوائم المعوزين في ملفات وزارة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية وفي ملفات المؤسسات الخيرية المنتشرة في المجتمع تشي بأن الفقر يكاد يتحول إلى ظاهرة مجتمعية. أضف لذلك ما يتحدث عنه الاقتصاديون من تخلخل جرى في وضع الطبقة الوسطى في مجتمعنا تزايد فيها تحول فئات من هذه الطبقة إلى طبقة الفقراء المعوزين. وفوق هذا وذاك فالأزمات التي يمر بها أي مجتمع تنتج المزيد من الفقر وقد خرجنا لتوِّنا من أزمة طاحنة، وذلك بظننا كافٍ ليتبوأ بند عنوانه الفقر مكانه على طاولة الحوار.
 
لا يخامرنا أدنى شك في أن هناك قضايا كبرى أخرى لم تتوافر لدينا الفطنة لإدراجها على أجندة التداول والتوافق الوطني، كما لا يخامرنا أدنى شك في أن المتحاورين المحترمين سيطرقون – إن بشكل أو بآخر- جوانب من تلك القضايا الكبرى
 

صحيفة الوسط 12 يوليو 2011م