المنشور

الرأسمالية الحكومية والعلمانية


إذا كانت الأقسامُ العليا من طبقةٍ تسيطرُ على الرأسمالية الحكومية في بلد ذي مذهبٍ معين فذلك لا يعني أن جميع الأقسام الاجتماعية من تجار وعمال تشارك في هذه السيطرة.
غالباً هي الأقسام الارستقراطية أو العسكرية أو ربما هي رجال الأعمال المتنفذون لدى تلك لأقسام.

هي لوحةٌ شائكة بلا شك، ولكن هي حالُ البلدان التي تمرُ بمخاضِ التحول من النظام التقليدي إلى النظام الحديث.
وهذا يجري في كل الدول النامية، لكن عبر الألوان الدينية والمذهبية والسياسية الخاصة بكل بلد.

ولهذا حين تطورتْ الرأسمالية الحرة في اليابان وغُلبتْ طبقة الساموراي وهي الخليط من الإقطاع والمحاربين، لم تعدْ ثمة طائفة مخصوصة مستولية أبديا على الحكم، فالحكمُ يعودُ للحزب الذي يفوزُ في الانتخابات العامة سواءً كان رأسماليا أم اشتراكيا.
مع سيادة الديانة البوذية لدى الطبقات العليا والدنيا فإن العلمانية وإبعاد هذه الديانة عن الحكم يغدوان مسألةً ثانوية.

الرأسمالية الحكومية ليست مشكلة فهي موجودة في كل الدول الرأسمالية المتطورة كالولايات المتحدة وبريطانيا، لكن المسألة ان توجيهها وإدارتها يخضعان للحزب الفائز في الانتخابات العامة هناك.

في الدول الشرقية تتحول إلى نمط حكم، إلى قطاع عام خاضع لجماعة، وتحوله إلى شكل لاستثمارها وليس إلى قطاع عام حقيقي، وتخضعهُ لتحزبها المذهبي كذلك.
في البلدان العربية والإسلامية فإن السيطرات السياسية والاقتصادية والدينية تتداخل، فالسيطرة الشيعية على القطاع العام في إيران مثل السيطرة السنية على القطاع العام في مصر.

تخاف الطبقة المسيطرة في إيران على الرأسمالية الحكومية وهي مورد قوتها أن تنزع يدها عنها معناه تفكك سيطرتها على المجتمع، وتفجر ثورة العمال، وانفصال القوميات غير الفارسية.

ولهذا فإن مضمونَ السيطرة الفارسية هو شكلٌ ديني يتخذ من الاثني عشرية لباسه المذهبي، كما أن لهذا المضمون من السيطرة مستواه في تطور الجماعات الشيعية الاجتماعية، فهنا فرضتْ الجماعاتُ الريفية من الفرس سيطرتها، وهي ذاتُ مستوى معين في فهم العادات والتقاليد وقراءة الدين، فلا تريد ذوبان سيطرتها مع تدفق الحداثة والعلمانية.

تغدو الرأسمالية الحكومية والمذهبية والشمولية متداخلة، وهو أمرٌ مشابه للجماعاتِ السنية التي تسيطرُ على مصر، ولكن السيطرة هنا ذات تاريخ وطني مختلف، فقد تطورت الرؤى السنية في صراع مع المواطنين المصريين المسيحيين ذوي الأصول القديمة، وتداخل الدينان في علاقة وطنية تاريخية، ظهرت بوضوح في النضالات الوطنية الكبيرة، وقوّتها الأفكارُ الديمقراطية العلمانية، لكن السيطرة السنية الكبرى على الموارد والرأسمالية الحكومية جعلتها تكرسُ النظامَ الديني السياسي. فيجري خوفٌ هنا من الديمقراطية الشاملة، خاصة أن جذور المذاهب الاجتماعية ذكورية ريفية.
هذا يغدو مماثلاً لدول الخليج والجزيرة العربية لكن داخل المذاهب الإسلامية ذاتها، على الطريقة الإيرانية لكن بشكل سني لا شيعي.

عملية التطور الديمقراطية تتطلبُ تفكيكا مستمرا للسيطرات على الأجهزة الحكومية السياسية والاقتصادية، مثلما تتطلب في الجماعات الدينية تفكيكا للسيطرات على المؤمنين والمؤمنات.

إن الطبقات الدنيا تريدُ نسبة أعلى من الدخول في حين تريد الطبقاتُ العليا الاحتفاظ بأنصبتها، لكن لابد من تنازلاتٍ متبادلة، وهذه هي الديمقراطية.