المنشور

السيناريوهات الستة..!


هناك أكثر من سيناريو متوقع للمسارات التي يمكن أن تتجّه نحوها الأوضاع السياسية في ظل تفاقم أزمة النهج السلطوي في إدارة البلاد، خصوصا بعد انكشاف أمر فضيحة الإفساد الأخيرة، التي أدّت وستؤدي إلى تداعيات قد يصعب التحكّم فيها.
 
ولعل السيناريو الأول الذي يبدو منطقيا في ظل اشتداد الضغوط الشعبية والمواقف المعلنة للقوى السياسية والحركات الشبابية والكتل النيابية، هو سيناريو استقالة الحكومة… ولكن من الواضح أنّ هناك ممانعة سلطوية لمثل هذا السيناريو تنطلق من عدم تسجيل سابقة الخضوع للضغوط، بالإضافة إلى ما سبق أن تكرر إعلانه حول صعوبة اختيار بدائل مناسبة لرئاسة مجلس الوزراء، وهناك أيضا قوى نفوذ تريد إبقاء الوضع على ما هو عليه بما يخدم مصالحها الخاصة ويبقي على نفوذها المؤثر على مركز القرار في الدولة؛ ولذلك فإنّ قوى النفوذ تحاول بكل ما أوتيت من قوة أن تدعم هذه الممانعة وتغذيها بالحجج والمبررات؛ وتسفّه في المقابل المطالبات المطروحة لرحيل الحكومة، وتهوّن الأمر الذي لم يعد هينا..!
 
أما السيناريو الآخر فهو سيناريو حلّ مجلس الأمة وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، خصوصا مع افتضاح أمر النواب المرتشين، بحيث تزايدت الأصوات الداعية إلى حلّ المجلس، التي تضم من بين مَنْ تضم نواب مستعدين لفقد مقاعدهم… ومن شأن تحقق مثل هذا السيناريو تشتيت الحراك الشعبي وإيقاف اندفاعته وتوجيه الاهتمام نحو المعركة الانتخابية بما تحمله من استقطابات، ولكن مع ذلك فإنّ المعركة الانتخابية لن تكون معركة عادية، وإنما ستتأثر في الغالب بما هو مطروح الآن من مطالبات وما هو معلن من مواقف، وسيتركز الهجوم على رئيس مجلس الوزراء وتتكرر الدعوات لعدم تكليفه… إلا أنّ ما يحول دون حدوث هذا السيناريو هي تلك الحسابات السلطوية ومعها حسابات قوى النفوذ المقرّبة من السلطة، التي تحرص على استمرار مثل هذا المجلس الطيّع؛ وتخشى حدوث تغيير في اللوحة النيابية للمجلس المقبل بخسارة عدد من النواب المحسوبين على السلطة لمقاعدهم الحالية في حال خوضهم الانتخابات.
 
السيناريو الثالث هو سيناريو إسقاط الحكومة عبر الاستجواب الموعود حول فضيحة الإيداعات المليونية في الحسابات المصرفية لبعض النواب، وذلك استنادا إلى ما يتوقع أن ينطوي عليه مثل هذا الاستجواب من إحراج، وما يحظى به من دعم شعبي واسع واصطفاف سياسي ونيابي مؤيد، بالإضافة إلى ما سبق أن كان يُشار إليه حول التنامي المطّرد لعدد النواب المؤيدين لطلبات عدم التعاون السابقة طلبا بعد آخر… وقد يكون هذا السيناريو مرجح الحدوث، ولكن علينا في المقابل عدم تجاهل تأثيرات الفعل السلطوي، الذي قد يرى في هذا الاستجواب “معركة كسر عظم”!
 
السيناريو الرابع هو سيناريو تجاوز رئيس مجلس الوزراء للاستجواب الموعود بالاستفادة من الأدوات والوسائل المعتادة؛ وربما باللجوء إلى وسائل غير مسبوقة… وهذا ما سيؤدي إلى ردود فعل قوية واحتدام الأزمة أكثر مما هي محتدمة في ظل فقدان الثقة في صدقية الأدوات البرلمانية ونتائج التصويت بعد فضيحة الإفساد السلطوي لمجلس الأمة.
 
وهذا ما سيقود في الغالب إلى طرح السيناريو الخامس المتمثّل في إسقاط الحكومة عبر الحراك الشعبي في الشارع، وهو سيناريو قائم حتى قبل بدء دور الانعقاد وقبل أن يتم تقديم أي استجواب جديد لرئيس مجلس الوزراء، في ظل ازدياد حالة الاستياء التي لا يستطيع أحد تجاهلها… ويرتبط هذا السيناريو بقوة واتساع حجم الحراك الشعبي وتصاعد وتيرته.
 
وقد يكون هناك سيناريو سادس يتمثّل في استمرار الوضع المأزوم على ما هو عليه من دون حدوث تغيير محدد لفترة من الوقت، وهو ما سيبقي البلاد متلظية فوق سطح صفيح ساخن لأسابيع أو أشهر، مثلما كانت عليه الحالة اللبنانية المعلقة في السنوات الأخيرة، وهذا ما سيوجد وضعا هشّا في البلد قد يتصدع وعلى نحو غير منتظر بما يفتح الباب أمام احتمالات وتداعيات غير محسوبة قد تتجاوز ما هو مطروح من سيناريوهات… فالأزمة السياسية الممتدة تشبه المرض المزمن الذي لا ينتظر شفاؤه ويكون المريض فيه عرضة للانتكاس، إلى أن يقضي الله أمره..!
 
 
جريدة  عالم اليوم 
 29 سبتمبر 2011