المنشور

ليست فوضى وإنما هي نضج ..!


من الاستياء الواسع والتململ تسود المجتمع الكويتي ناجمة بالأساس عن النهج السلطوي للإدارة السياسية للدولة الذي يرعى الفساد؛ ويقود التخريب المتعمّد للنظام الدستوري ومؤسساته، ويقوم على التمييز ويفتقد العدالة؛ وينحاز إلى مصالح أصحاب النفوذ ويهمّش في المقابل الفئات الشعبية الواسعة من المواطنين ويتجاهل مصالحها وحقوقها ويهمل تلبية مطالبها.
 
وعندما أشير هنا إلى الجذر العميق للتقاطع الذي نلحظه بين الحراك السياسي والحركة المطلبية والإضرابات والاعتصامات العمالية والطلابية المتزامنة، فإنّ هذا لا يعني بالضرورة أنّ جموع المحتجين وجماعات المعتصمين والمضربين تمتلك الوعي السياسي الكافي لإدراك ذلك، إذ لا تزال العفوية هي الطابع العام الغالب على حالة الاستياء وعلى أشكال الاحتجاجات والتحركات.
 
ولعلّه يمكن رصد اتجاهين رئيسيين متعارضين في النظر إلى ما تشهده الكويت في الآونة الأخيرة من تجمعات ذات طابع سياسي وحركات مطلبية وإضرابات واعتصامات عمالية وأخيرا طلابية… حيث الاتجاه الأول هو الاتجاه المتخوّف منها والرافض لها، الذي يراها فوضى و”فلتانا” وممارسات خارجة على القانون، وهذا الاتجاه هو اتجاه الأطراف السلطوية وأصحاب المصالح والنفوذ الذين يخشون من تنامي الحركة الشعبية ويعملون جاهدين على تقييدها… أما الاتجاه الآخر الذي يمثّل قوى الإصلاح والتغيير في المجتمع الكويتي فإنّه يرى في هذه التجمعات الشعبية والحركات المطلبية وأشكال الاحتجاج ليس مجرد مؤشر على اتساع حالة الاستياء فحسب، وإنما هي مؤشر على تطوّر أولي في الوعي السياسي للمواطن الكويتي وبداية نضجه… فبعد أن كان المواطن الكويتي يكتفي بالشكوى الذاتية هاهو ينتقل إلى التعبير الجماعي عن استيائه، وكذلك فإنّه بعد أن كان المواطن يسعى إلى التوصّل إلى حلول فردية لما يواجهه من مشكلات وما يريده من مطالبات عبر الوساطة والمحسوبية؛ هاهو المواطن ذاته يشارك في أشكال جماعية من المطالبات تقوم على التضامن… وكذلك فإنّه بعد أن كان المواطن الكويتي، من هذا الانتماء المناطقي أو الفئوي أو ذاك، يرى واهما أنّ تلك الفئة الأخرى من المواطنين التي لا ينتمي إليها هي سبب معاناته وعلّة تراجع أحواله، ها هم المواطنون الكويتيون من مختلف الانتماءات المناطقية والفئوية أصبحوا يدركون شيئا فشيئا مَنْ هو المتسبب الحقيقي المسؤول عن سوء الإدارة؛ وعن الإفساد والفساد؛ وعن تردي الأوضاع؛ وعن التمييز وافتقاد العدالة… وبالطبع فإنّ مثل هذه النقلات هي مؤشرات ذات دلالة توضح أنّ هناك بدايات حدوث نضج وتطوّر في وعي المواطن الكويتي ونظرته إلى مشكلاته وأسلوب مطالباته وأشكال تحرّكه.
 
والأمل أن يتراكم مثل هذا الوعي وينتقل من مستواه العفوي الحالي إلى مستوى الوعي السياسي الاجتماعي، وحينذاك سيصبح الرأي العام الشعبي قوة فاعلة ضاغطة ذات شأن وتأثير لا يمكن لأحد أن يتجاهلها في إحداث الإصلاح وتحقيق التغيير الديمقراطي.
 
بغض النظر عن الأسباب المباشرة لكل تجمّع احتجاجي أو إضراب أو اعتصام، فإنّه لا يمكن تجاهل هذا التزامن اللافت بين الحراك السياسي الشعبي الذي تشهده الكويت من جهة، وبين اتساع نطاق الحركة المطلبية والإضرابات العمالية من جهة أخرى، بالإضافة إلى الاعتصام الطلابي الأخير… ولا يعني هذا التزامن بين هذه التحركات أنّها تندرج في إطار حركي واحد؛ أو أنّ هناك تنسيقا يشملها وقيادة مركزية تحرّكها، بقدر ما يؤكد التقاطع الزمني لهذه التحركات أنّ هناك حالة عامة.
 
 جريدة عالم اليوم  9 اكتوبر 2011