المنشور

ضحايا التعذيب في تقرير لجنة تقصى الحقائق


وجدت القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني في مملكة البحرين فيما أشتمل عليه تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصّي الحقائق من واقعات وحقائق وبما خلص إليه من توصيات خطوه هامة نحو المصالحة ، و إعادة اللحمة الوطنية ، غير أن المواطن المتفائل الحريص على  تعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق العدالة الاجتماعية والخروج مما تركته أحداث فبراير من نتائج سلبية على المجتمع ، ما يلبث أن يتشائم حين يشاهد أن مسيلات الدموع مازالت تستخدم ، وأن النفس البشرية مازالت رخيصة ، وحين يجد أن الحكم ومؤسساته الرسمية قد خالف وتجاوز تنفيذ توصيات تقرير تقصى الحقائق ومنها التوصية الأولى التي نصت على ( تكوين لجنة وطنية مستقلة ومحايدة تضم شخصيات مرموقة من حكومة البحرين والجمعيات السياسية والمجتمع المدني لمتابعة وتنفيذ توصيات هذه اللجنة، على أن تعيد اللجنة المقترحة النظر في القوانين والإجراءات التي طبقت في أعقاب أحداث شهري فبراير ومارس 2011 بهدف وضع توصيات للمُشرِع للقيام بالتعديلات الملائمة للقوانين القائمة ووضع تشريعات جديدة حسبما هو وارد في هذه التوصيات)، إذ تم تجاوزها حين نص الأمر الملكي الخاص بتشكيلها  على أن من بين اختصاصاتها  دراسة توصيات تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصّي الحقائق دون أن النص على اختصاصها الأصيل الوارد في التوصية المذكورة وهو متابعة وتنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق.
 
وإذا كانت النسخة الانجليزية لتقرير تقصي الحقائق قد أشارت في هذه التوصية إلى أن هذه اللجنة تتكون فيما تتكون من ممثلين للجمعيات السياسية المعارضة، والمجتمع المدني، فأن غياب ممثلين عن هذه الجمعيات الفاعلة التي كانت طرفا ولاعبا أساسيا في أحداث فبراير 2011 والتي أشار إليها التقرير عن تشكيل اللجنة، ينال مما قصدته وهدفت إليه لجنة تقصي الحقائق فيما جاء في التوصية الأولى ، وبعيدا عن أي جدل في تفسير هذه التوصية كان الأجدر بالسلطة التنفيذية مخاطبة هذه الجمعيات المعارضة بصفتها الاعتبارية للمشاركة في اللجنة وهي تختار من يمثلها لا أن تخاطب أعضاء منها بصفتهم الشخصية، كما أن اشتمال الأمر الملكي على آلية اتخاذ القرارات المتعلقة بمخرجات عمل اللجنة يخشى منه في ظل هذا التكوين أن يتم اتخاذ قرارات تتجاوز وتخالف توصيات تقرير الحقائق، وكان من الأفضل لو نص الأمر الملكي على عرض قرارات واقتراحات هذه اللجنة على لجنة تقصي الحقائق لبيان مدى انسجامها وتوافقها مع ما جاء في التقرير، غير أنه يتعين الاستدراك أنه حسنا ما قررته هذه اللجنة بضرورة التوافق بين الحقائق للفصل فيه، لكن يتعين الإشارة هنا إلى انه  على الرغم أن بعض النتائج وبعض التوصيات التي جاء بها تقرير بسيوني هي حمالة أوجه عرضة لتفسيرات مغايرة لما قصده التقرير فأن اللجنة المشكلة بموجب الأمر الملكي مهما كان نوع تكوينها  ليس في مقدورها أن تتجاوز جوهر القضايا الرئيسة التي حدد التقرير وقائعها وبين نتائجها وأوصى بتوصيات هامة وضرورية لمعالجتها ، ومن أبرز هذه القضايا ، انتهاكات حقوق الإنسان ، ومنها تعذيب السجناء والمعتقلين.
 
التعذيب نهج قديم
 
لم يكن التعذيب في البحرين وليد أحداث فبراير ومارس 2011 ، بل تمتد جذوره لفترات ماضية قبل وبعد قانون أمن الدولة ، وظلت الأجهزة الأمنية طوال هذه الفترة تنكر وجوده واستمراره في ظل المشروع الإصلاحي ، ولعل ابزر مثال على هذا الإنكار ما جاء في تقرير مملكة البحرين الأول المقدم  في 25 فبراير 2008 لمجلس حقوق الإنسان التابع إلى هيئة الأمم المتحدة بشأن المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان في البحرين ، حين أشار هذا التقرير في التعهدات طوعية بشان التعذيب إنه ( على رغم من عدم وجود حالات تعذيب في المملكة إلا أن رغبة المملكة المستمرة في تطوير أداء العاملين في مجال إنقاذ القانون يدفعها لـ الترحيب بزيارة المقرر الخاص بمكافحة التعذيب التابع للمجلس و إن تطلب من المفوضية السامية للأمم المتحدة المعاونة في ما تسعى له البحرين في تطوير وتدعيم المناهج التعليمية والدورات التدريبية ذات الصلة بحقوق الإنسان.)  ( وأنه منذ العام 2001، لا يوجد في المملكة احتجاز تعسفي. وقدم الفريق المعني بالاحتجاز التعسفي عدة توصيات، تمت الاستجابة لها بدرجات متفاوتة ) .
 
وقد قلنا حينها في ملاحظاتنا على تقرير حكومة البحرين  انه فضلا عن تجاهل هذا التقرير ما أحدثه المرسوم بقانون 56 من شرخ في المشروع الإصلاحي ومن مفهوم العفو الشامل وتمييز ضد ضحايا الحقبة الماضية فهو يتجاهل إعادة استخدام وسائل التعذيب ولا يعترف  باستمراره  في البحرين ، الذي كشفت عنه أحداث ديسمبر 2007 ، وقد سجل المتهمون في هذه الأحداث أمام القضاء كيف استخدمت أجهزة الأمن مختلف وسائل التعذيب ضدهم بما فيها الاعتداء الجنسي أو التهديد به لحملهم على الاعتراف.
كما لاحظنا أن التقرير الرسمي ، على الرغم من أهمية مناقشة ظاهرة التعذيب باعتبارها ظاهرة تنال من السلامة البدنية والمعنوية للإنسان ، فإنه يتجاهل وضع الحلول والوسائل اللازمة للخروج منها ويتجاهل ما كانت تطالب به القوى السياسية والحقوقية في البحرين والهيئات الدولية من ضرورة إنصاف الضحايا وأسر الشهداء وإلغاء المرسوم بقانون رقم 56 ، مكتفيا فقط بالإشارة إلى ما قامت به بعض المنظمات الدولية من امتداح البحرين للإجراءات التي اتخذتها مثل إلغاء قانون أمن الدولة ومحكمة الدولة، كما امتدحت سحب تحفظ البحرين على المادة 20 من الاتفاقية ، وهو امتداح في محله ، غير أن ذلك لا يكفي ، ولا يكفيه ما أشار إليه التقرير الرسمي من أن مملكة البحرين رحبت بزيارة المقرر الخاص بمكافحة التعذيب التابع للمجلس. وإنها تطلب من المفوضية السامية للأمم المتحدة المعاونة في ما تسعى له البحرين في تطوير وتدعيم المناهج التعليمية والدورات التدريبية ذات الصلة بحقوق الإنسان ، بل على مملكة البحرين أن تستجيب لما تطلبه منها المفوضية السامية للأمم المتحدة .
 
 ولا يشفع لمملكة البحرين ما جاء في تقريرها في بند وسائل الانتصاف الفعالة  من قول ( بأن النظام القانوني في البحرين على النحو السابق إليه  يتضمن سبل الانتصاف القضائية والإدارية وغيرها، ومع ذلك هناك حاجة لزيادة الوعي بوجود هذه السبل وآليات استخدامها (فهذا القول فضلا عن عموميته ويهدف للهروب من معالجة المشكلة  فأن النظام القانوني وسبل الانتصاف القضائية والإدارية لا تحتاج إلى تذكير ولا يحتاج لزيادة الوعي بها ، بل تحتاج إلى احترامها  وتفعيلها في الممارسة العملية.
 
تقرير بسيوني أثبت منهجية التعذيب
 
وقد جاء تقرير بسيوني ليؤكد هذه الحقيقية حين أشار بوضوح تام في حكم الفقرة رقم (1694) من الملاحظات العامة إلى :
 
-  تعرض الكثير من الموقوفين للتعذيب ولأشكالٍ أخرى من الانتهاكات البدنية والنفسية داخل محبسهم …
-  الأمر الذي دلل على وجود أنماط سلوكية معينة تقوم بها بعض الجهات الحكومية، تجاه فئات بعينها من الموقوفين.
-  إن حجم وطبيعة سوء المعاملة النفسي والبدني، يدل على ممارسة متعمدة كانت تستهدف، في بعض الحالات، انتزاع اعترافات وإفادات بالإكراه، بينما تستهدف في حالات أخرى العقاب والانتقام.
-  وكان من بين الأساليب الأكثر شيوعًا لإساءة معاملة الموقوفين تعصيب العينين، وتكبيل اليدين، والإجبار على الوقوف لفترات طويلة، والضرب المبرح، واللكم، والضرب بخراطيم مطاطية وأسلاك كهربائية على القدمين، والضرب بالسياط وقضبان معدنية وخشبية وأشياء أخرى، والصعق بالكهرباء، والحرمان من النوم، والتعريض لدرجات حرارة شديدة، والاعتداءات اللفظية، والتهديد بالاغتصاب، وإهانة الطائفة الدينية للموقوفين من الشيعة…
-   وبصفة عامة فإن تلك الأفعال تندرج ضمن التعريف المُقرر للتعذيب المنصوص عليه في معاهدة مناهضة التعذيب، والتي وقعت عليها البحرين، كما أنها تشكل انتهاكًا لقانون العقوبات البحريني.
-   وقد اُستخدمت هذه الاعترافات المنتزعة تحت وطأة الإكراه في المحاكمات التي تمت سواء أمام المحاكم الخاصة المنشأة بموجب مرسوم السلامة الوطنية، وفي بعض الحالات أمام المحاكم الجنائية العادية.
 
وإذا كانت هذه الملاحظات العامة من تقرير تقصي الحقائق لم تتطرق لحالات الوفاة بسبب التعذيب فأن هذا التقرير في البند المتعلق بوقائع الوفاة الناتجة عن التعذيب أكد بأن وفاة كل من حسن جاسم مكي (الفقرة 991 ) ، وعلي عيسى صقر ( الفقرة 996 )  ، وزكريا راشد العشيري ( الفقرة 1551 ) وعبد الكريم علي فخراوي ( الفقرة 1552 ) و جابر ابراهيم العلويات ( الفقرة 1008 ) ، ترجع إلى تعرضهم للتعذيب داخل مراكز توقيفهم .
 
بيان وزارة الداخلية يخالف التوصيات
 
فإذا كان تقرير تقصي الحقائق قد توصل إلى هذه الحقائق ، وكانت السلطة التنفيذية بوزارتها وأجهزتها المختلفة بما فيها الأجهزة الأمنية قد وافقت على التقرير وأكدت على ضرورة تنفيذ ما جاء به ، فإن ذلك يعني أول ما يعني اعتراف منها بوجود التعذيب ، وان إنكارها لوجوده طوال الفترات الماضية سقط أمام ما سطره التقرير من وقائع دامغة ، غير أن هذا الاعتراف وحده  لا يكفي فالعبرة هنا في تنفيذ ما أوصى به التقرير من توصيات بهذا الشأن ، فكيف تعاملت أجهزة السلطة التنفيذية مع التوصيات المتعلقة بالتعذيب وسوء المعاملة ؟ 
نسارع هنا إلى القول بأن بيان وزارة الداخلية الصادر يوم الخميس (8 ديسمبر/ كانون الأول 2011)، بإحالة المسئولين عن وفاة عدد (5) أشخاص تحت التعذيب إلى النيابة العامة ضمن حالات أخرى متعلقة بالوفيات الناتجة عن الأحداث ، مشيرا إلى (  إنه في إطار حرص الوزارة على تنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق المتعلقة بالوزارة، تمت إحالة جميع القضايا المتعلقة باتهامات الوفاة أو التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية إلى النيابة العامة باعتبارها جهة قضائية مستقلة، وذلك تنفيذاً للتوصيات رقم 1716، ورقم 1722/أ ، ورقم1722/ ز من التقرير ) . نقول جاء هذا البيان بالمخالفة لما نصت عليه هذه التوصيات ويتمثل ذلك في الأتي :
 
1-   ورد في البيان انه تمت إحالة القضايا إلى النيابة العامة باعتبارها جهة قضائية مستقلة ، في حين تنص توصية الفقرة 1716من تقرير بسيوني على ( وضع آلية مستقلة ومحايدة ) كما تنص توصية الفقرة (1722/أ) على التحقيق في جميع دعاوى التعذيب والمعاملة المشابهة من قبل ( هيئة مستقلة ومحايدة وفقاً لمبادئ اسنطبول ) ،ومع احترامنا وتقديرنا للنيابة العامة بصفتها جهة قضائية مستقلة ، ولها سلطة التحقيق والاتهام ، فأن القراءة الدقيقة للتوصيات محل البيان، لا تعني أن الآلية أو الهيئة المستقلة التي قصدها وهدف إليها تقرير بسيوني هي النيابة العامة ، إذ فضلا عما أورده التقرير في أكثر من موضع من ملاحظات على النيابة العامة ، فأنه هذه الأخيرة لا تنطبق عليها مبادئ اسطنبول .

2-   نص بيان وزارة الداخلية  على إحالة  جميع القضايا المتعلقة باتهامات الوفاة أو التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية إلى النيابة العامة ، في حين أنه أحال فقط تلك القضايا المتعلقة بالوفاة دون قضايا التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية خلافا لنص التوصية الوارد في حكم الفقرة 1716من تقرير بسيوني التي أوجبت مساءلة المسئولين الحكوميين الذين ارتكبوا أعمالاً مخالفة للقانون أو تسببوا بإهمالهم ليس في حالات القتل فحسب بل والتعذيب وسوء معاملة المدنيين أيضا .
 
صندوق التعويض وشرط الحكم بالإدانة 
 
نص حكم الفقرة ١٦٧٩ من التوصيات العامة لتقرير لجنة تقصي الحقائق في البند (ي ) على وجوب تعويض عائلات الضحايا المتوفين بما يتلاءم مع جسامة الضرر ، وفي البند (ك ) على ) تعويض كل ضحايا التعذيب وسوء المعاملة والحبس الانفرادي. ) وفي هذا الصدد رحبت اللجنة بالمرسوم الملكي رقم  ٣٠ لسنة ٢٠١١ بإنشاء صندوق لتعويض المتضررين .
 
غير أن هذا المرسوم على أهميته من حيث أنه قد حدد في المادة الثالثة الأشخاص المتضررين الذين يجوز لهم اللجوء إلى الصندوق للمساعدة في الحصول على التعويض نتيجة للأحداث العنيفة التي وقعت خلال شهري فبراير ومارس عام 2011 بمملكة البحرين أو نتيجة لحوادث عنيفة مماثلة من ذات الطبيعة حدثت بعد هذا التاريخ، ويشمل التعويض المجني عليهم, وكذا أقاربهم حتى الدرجة الرابعة أو من يعولونهم ، نقول رغم هذه الأهمية فإن اشتراط  هذه المادة في فقرتها الأخيرة ( لصرف المساعدة للتعويض صدور حكم جنائي نهائي من المحكمة المختصة بإدانة مرتكب الفعل)، سينال من هذه الأهمية .
 
 ذلك أن حكم هذه الفقرة يعني أن أي متضرر من الإحداث لا يمكنه الحصول على التعويض إلا إذا صدر حكم جنائي بات في مواجهة المتسبب في الضرر ، وهو بهذا المعنى لن يؤدى إلى مصالحة فاعلة تساهم في خروج البحرين من الأزمة السياسية التي تعصف بها، إذ ليس من اللازم أو الضروري على سبيل المثال من كان في الحبس الانفرادي ، أو في الحبس الاحتياطي لفترات طويلة دون محاكمة  أومن أعتقل تعسفيا ، أومن تم القبض عليه وتفتيش منزله  خلافا للقانون ، أو من حصل على حكم ببراءته ، أومن تم حفظ قضيته أو التنازل عنها ، أن يصدر حكم جنائي في مواجهة من تسبب في كل هذا الحالات ، فضلا عن ذلك فأن كثير من الأفعال قد ترتكب بطريق الخطأ و لا يتوافر فيها القصد الجنائي كركن أساسي من أركان المسئولية الجنائية اللازم لصدور حكم جنائي ضد مرتكب الفعل ، كما انه من المقرر في المسئولية المدنية أنه يجوز إثبات عناصرها بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة والقرائن .
 
لذلك فإن حكم الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة التي تشترط صدور إدانات نهائية ضد المتسبب في انتهاكات حقوق الإنسان حتى يتمكن المتضرر من الحصول على التعويض. لا يصلح أن يكون أساسا لتنفيذ حكم الفقرة ١٦٧٩البندين ( ي ، ك ) من التقرير، ويتعارض مع توصياتها بهذا الشأن ، كما يأتي خلافا للمادة 9 الفقرة (5) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي نصت على انه (  لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني حق في الحصول على تعويض.) وهذا الحكم ينطبق على كافة حالات الاحتجاز أو الاعتقال بصورة غير شرعية أو تعسفية ، ولا يشترط صدور حكم جنائي ضد مرتكب الفعل .
 
 وفي هذا الإطار فأن على الأجهزة التنفيذية أو اللجنة المعنية حسبما أطلق عليها ( بمتابعة توصيات لجنة تقصي الحقائق ) وهي تتابع التوصيات المتعلقة بالتعذيب وسوء المعاملة ، أن تأخذ بعين الاعتبار ما سلف من ملاحظات .وأن تفهم إن الهدف الأساسي من سياسة التعويض هو إحقاق العدالة للضحايا. وأن  مصطلح ( العدالة الانتقالية )  يجب أن يفهم على انه إدماج عناصر الاعتراف بالضحية ورد كرامته وإعادة بناء الثقة بين المواطنين بعضهم البعض، وبين المواطنين ومؤسسات الدولة، وإرساء التضامن الاجتماعي. وأنه أمام ما أوضحه تقرير تقصى الحقائق من انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، أصبح لزاما على الحكومة ليس فقط ضمان حقوق الضحايا بل التصدي أيضا لمرتكبي هذه الانتهاكات، وتهيئة  الظروف الملائمة لصيانة كرامة الضحايا  وتعويض أقصى ما يمكن منهم بهدف توفير استجابة شاملة وكاملة قدر الإمكان.
 
وأن تدرك أن مفهوم التعويض ينطوي على عدة وسائل من بينها التعويض المباشر (عن الضرر أو ضياع الفرص)، ورد الاعتبار (لمساندة الضحايا معنويا وفي حياتهم اليومية) والاسترجاع (استعادة ما فقد قدر المستطاع). ويمكن أن يكون التعويض ماديا عن طريق منح أموال أو حوافز مادية، كما يمكن أن يشمل تقديم خدمات مجانية أو تفضيلية كالصحة والتعليم والإسكان. ويكون معنويا عبر إصدار اعتذار رسمي، أو نصب تذكاري أو إعلان يوم وطني للذكرى . كما يتعين وضع برامج خاصة لإعادة تأهيل الضحايا، بما في ذلك المواساة العاطفية والعلاج البدني أو المساعدة الطبية. كما أن هناك مجموعة واسعة من الإجراءات الرمزية لجبر الضرر والتي يمكن أن تؤخذ كذلك بعين الاعتبار مثل رسائل شخصية للاعتذار من الدولة ، والاعتراف الرسمي بما جرى من انتهاكات لحقوق الإنسان ، إن فوائد الإجراءات الرمزية هي أنها نسبيا ممكنة التحقيق، ويمكنها أن تصل إلى فئات واسعة وأن تتبنى تعريفات أوسع للضحية ويمكنها أن تشجع الذاكرة الجماعية والتضامن الاجتماعي. وتجعل الغاية من التعويضات على أنها إحقاق للعدالة متعدد الأوجه وشامل. ولا يتضمن ذلك فقط إجراءات التعويض المختلفة المشار إليها أعلاه ومن إجراءات التعويض سواء من حيث تبريرها أو إعدادها موجهة نحو المستقبل بدلاً من أن تكون موجهة نحو الماضي. ومعنى ذلك أنها يجب أن ترفع من مستوى حياة الضحايا بأقصى قدر ممكن من الرضا ، يمهد نحو مصالحة فاعلة .وتهيئة المناخ الملائم  لهذه المصالحة عبر استرجاع ثقة الضحايا في الدولة.
 
أن النتيجة القانونية والواقعية التي يمكن استخلاصها من كل ما تقدم نحو الشروع في مصالحة حقيقية هو أطلاق سراح كل من تم اعتقاله سواء مازال قيد الحبس الاحتياطي أو صدر في مواجهته حكم جنائي وثبت تعرضه للتعذيب وسوء المعاملة على النحو الذي سجله تقرير بسيوني وتعويضه على النحو الذي أوضحناه ، وطبقا للقاعدة القانونية التي تقضي أن كل ما بني على باطل هو باطل .