المنشور

نحو حراكٍ وطني جامع


في محاضرة للدكتور عيسى أمين تعود للعام 2004، ألقاها في مقر المنبر التقدمي، بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس هيئة الاتحاد الوطني، التي مرت يومذاك بعنوان: «حركة الهيئة في الوثائق البريطانية»، خلص إلى التالي: «بعد نصف قرن، أرجو أن نتذكر بأن المطالب الإصلاحية قد مضى عليها ثلاثة أرباع القرن، وأننا اليوم في حاجة لأن نتعلم شيئاً واحداً فقط من سجل هيئة الاتحاد الحافل بالإصرار، هو شمولية المطالب وأن نؤكد لكل منا بأن المواطنة لا تعني الانتماء إلى عشيرة أو فئة أو طائفة أو مذهب، وبأن أولئك الذين قد بدأوا مسيرة المطالب الإصلاحية قد ذهبوا جميعا، ولكن بقيت لنا الفكرة والتي نحن مطالبون بتطويعها إلى وضعنا الحالي، إذ ربما نستطيع أن نقول بأن المطالب الإصلاحية بدأت في الربع الأول من القرن الماضي، وكادت أن تتحقق في الربع الثاني منه، وإننا نحمل أمنية بداخلنا تكاد تتحقق».
 هذه الخلاصة توجز بحثاً أنجزه المحاضر جال فيه في وقائع الهيئة منظوراً إليها من زاوية ما كان الانجليز يرونه فيها، والباحث لم يفعل ذلك بهدف تبني الرواية الانجليزية لما جرى، وإنما تحليل تلك الرواية واعتمادها مصدراً من مصادر البحث، وهذا ما أعانه على تقديم معطيات جديدة غير معروفة في القراءات السابقة لأحداث الهيئة، بما في ذلك من معاصريها، الذين لم يطلعوا في حينه على الوثائق التي استند إليها الباحث، وجلها لم تفرج عنه السلطات البريطانية إلا بعد سنوات من وقوع الأحداث، وفق القاعدة المتبعة بالإعلان عن الوثائق بعد مضي فترة زمنية كافية على وقوع الأحداث التي تتناولها.

الخلاصة التي قدمها عيسى أمين في نهاية محاضرته تكاد تكون مبثوثة في ثنايا البحث الذي قدمه وهو يستعرض أحداث حركة الهيئة من إرهاصاتها الأولى حتى نهاياتها باعتقال أبرز قادتها ونفي بعضهم وسجن البعض الآخر. مهم في ظروف اليوم أن نعود إلى الخلاصة التي انتهى إليها الباحث، ونحن نتعاطى مع واقع كثير السيولة وأبعد ما يكون عن الثبات، لأن في العودة لتجاربنا التاريخية، ما يعين على فهم تعقيدات الحاضر، التي تناولنا جانباً منها في حديثنا منذ يومين عن محنة القوى العابرة للطوائف. فمن النادر أن يجري التبصر في أمورنا وبقدر كافٍ من التروي والنضج عبر رؤية جدلية لماضينا وتاريخنا، وكثيرا ما يغلب الشعار على التحليل، والخطابة على البحث المعمق، فنظل والحال كذلك نراوح في الدائرة نفسها، ونقع في الأخطاء ذاتها التي وقعت في الماضي، وأذكر أن المنبر التقدمي أطلق عند بداية الأحداث الأخيرة في فبراير الماضي دعوة لتشكيل هيئة وطنية تستلهم تجربة هيئة الاتحاد الوطني، لكن للأسف الشديد كان إيقاع الأحداث أسرع منا جميعاً، ولم تجد هذه الدعوة ما هي جديرة به من اهتمام.

 تتداعى اليوم شخصيات وقوى وطنية لجهود تصب في جوهر هذه الفكرة ومغزاها، من أجل خلق حراك وطني يخاطب مختلف شرائح المجتمع، ويصوغ المطالب المشتركة المنطلقة من حاجات الإصلاح السياسي الجدي التي تتفق عليها كل القوى الحية في هذا البلد.