المنشور

غورباتشوف يعترف

لعلها المرة الأولى التي يعترف فيها آخر رئيس للاتحاد السوفييتي السابق، ميخائيل غورباتشوف، بمسؤوليته عن انهيار تلك الدولة العظيمة في عام 1991، بهذا الوضوح والصراحة.
لقد سبق له في مناسبات سابقة، بينها حديث أجرته قناة «روسيا اليوم» معه منذ سنوات أن أشار إلى مجرد أخطاء فادحة رافقت عملية إعادة البناء «بيروسترويكا» التي أطلقها، لكنه لم يقر بمسؤوليته المباشرة عما حدث، كونه على رأس الدولة والحزب الذي يحكمها.
في ذلك الحديث قال إنه كان عليه أن يرسل بوريس يلتسين إلى مكانٍ ما، قاصداً إلى السجن، بعد أن اتضح تورطه في الفساد وسرقة أموال الدولة، لكنه تجاهل القول إنه لولاه ما كان بوسع يلتسين أن يصبح بالنفوذ الذي حازه، فهو من أتى به من مدينة نائية في أقاصي روسيا، كان مجرد مسؤول حزبي مغمور فيها، ليسلمه مسؤولية العاصمة موسكو، ويفتح أمامه أبواب التدرج الحزبي، على مصاريعها.
ولما أدرك يلتسين ضعف الرئيس الذي أتى به، تسلق السلالم، لا بطريقة درجة درجة، وإنما بالقفزات السريعة إلى أعلى، حتى أفلح أخيراً، هو وعصابة نافذة من رجال المافيا ذوي الميول الصهيونية، على ما بات مؤكداً، لا في إقصائه من موقعه فحسب، وإنما لإزالة مسمى الدولة التي كان يرأسها من الخريطة، وتفكيكها إلى جمهوريات، تورطت، غير مرة، في الاقتتال ما بينها.
بعيد ذلك مباشرة أجرت قناة تلفزيونية غربية حواراً مع غورباتشوف عما سيفعله في اليوم الأخير له كرئيس لدولة زالت عن الخريطة، فقال إنه سيذهب في الصباح إلى مكتبه في «الكرملين» ليجمع أوراقه الشخصية كي يأخذها إلى بيته الريفي خارج العاصمة، وبالفعل توجه في ذلك الصباح مع سائقه إلى هناك، ولكن حراس البوابات الخارجية للكرملين منعوه، بأمر من يلتسين، من مجرد عبور البوابة، وأعادوه أدراجه خائباً.
ما قيمة الندم اليوم بعد أن وقع الفأس على الرأس، لا على رأس غورباتشوف وحده، ولا روسيا وحدها، وإنما كل الأمم والشعوب التي كانت ترى في وجود الدولة السوفييتية عاملاً من عوامل التوازن في السياسة الدولية، حتى وإن اختلفت مع عقيدتها السياسية والإيديولوجية، بمن فيهم العرب، رغم أن بعض بني جلدتنا هللوا ساعتها لذلك السقوط، فكانوا أشبه بأول الراقصين في عرسٍ لم يدعهم أحد إليه؟
متحدثاً عن الحلقة المحيطة به يومها قال غورباتشوف: «كانوا يسرقون روسيا، حتى الآن لا أستطيع مسامحتهم على ما فعلوا»، لكنه نسي التساؤل عما إذا كان التاريخ سيسامحه هو شخصياً على ما اقترفه.