المنشور

أرقام نفطية جديدة تستأهل القراءة

يكاد يُجمع المشتغلون المعنيون بصناعة النفط العالمية، على جانبي معادلة السوق، المنتجين (البائعين) والمستهلكين (المشترين)، على أن المستوى الحالي لأسعار النفط الذي يطاول، ويتجاوز في معظم الأحيان، حاجز المئة دولار للبرميل، هو مستوى مرتفع بالنسبة إلى الإمكانات المتاحة لانتظام سيرورة دورة النمو المستدام للاقتصاد العالمي . ويزداد الأمر صعوبة حين نعلم أن المملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة في منظمة الأقطار المصدرة للبترول “أوبك” (المختصة بنحو 40% من الصادرات النفطية العالمية) التي تتوفر على طاقة إنتاجية احتياطية فائضة توفر وسادة مريحة لكل من المنتجين والمستهلكين للتعامل مع طوارئ جموح سعر البرميل إلى ما هو ضار للجميع . صحيح أن هنالك طاقات إنتاجية جديدة قيد الاستكشاف في عدد من البلدان ومواقع الاستكشاف والاستخراج (خارج أوبك وداخلها)، إلا أن السوق يتعامل مع الحقائق اليومية على الأرض ويتحرك صعوداً وهبوطاً على وقعها .

في السياق أيضاً، الذي لا أحد يتوقف عنده، سنجد أن تبدلات نوعية آخذة في الظهور ويمكن أن تسبب مزيداً من تعقيد المشهد النفطي العالمي . فإذا كانت الصين – وهي من الأسباب الرئيسة لتصاعد الطلب على النفط في السنوات القليلة الماضية، قد زادت استهلاكها من النفط خلال الفترة من 2000 إلى 2010 بواقع 4،3 مليون برميل يومياً أي بنسبة 90%، متصدرة القائمة في نسبة زيادة الاستهلاك ومرتفعة إلى نسبة 10% من المشتريات النفطية العالمية – فإن المملكة العربية السعودية قد حلت ثانياً بعد الصين في نسبة ارتفاع الاستهلاك النفطي، حيث زادت استهلاكها من النفط خلال الفترة نفسها بواقع 1،2 مليون برميل يومياً . وهي اليوم، باستهلاكها 2،8 مليون برميل يومياً، تأتي في المرتبة السادسة عالمياً من حيث استهلاك النفط، ما يعني أنها صارت تستهلك أكثر من ربع العشرة ملايين برميل التي تنتجها يومياً .

والسعودية ليست الوحيدة في هذا المتغير اللافت، فمنطقة الشرق الأوسط التي تضم 6 من الدول الأعضاء في أوبك زادت استهلاكها من النفط خلال العقد الأول من القرن الجديد بنسبة 56%، وهو ما يزيد 4 مرات على معدل نمو الاستهلاك العالمي، وما يزيد نحو مرتين على ذاك المسجل في آسيا . وعلى مستوى الاستهلاك الفردي فإن هذا المعدل هو 35،1 برميل في السنة لكل فرد في المملكة العربية السعودية، وهو ما يوازي تقريباً مستوى الاستهلاك في الولايات المتحدة إذا ما أخذنا إجمالي استهلاك الطاقة (7،3 طن من المعادل النطي) .

وأسباب ذلك عديدة أبرزها العامل الديموغرافي، حيث تضاعف عدد السكان في قطر على سبيل المثال خلال عقد واحد (من 2000-2010) ثلاث مرات، فيما ارتفع عدد سكان السعودية خلال الفترة نفسة بنسبة 37% من 20 مليوناً إلى 27،4 مليون، فكان لابد أن يؤدي هذا إلى ارتفاع الطلب بنسبة مهولة على النفط والطاقة والمياه (ارتفعت طاقة توليد الكهرباء في السعودية بواقع الضعف) .

وبعض تفسيرات هذه الأمور يتمثل بما يلي:

(1) عدم كفاءة أسواق الطاقة المحلية الخليجية . على سبيل المثال فإن نحو 65% من الطاقة الكهربائية في السعودية يتم إنتاجها باستخدام النفط، علماً بأن الدول الغنية قد صُدمت بطفرات أسعار النفط وبعدم كفاءة استخدام النفط في توليد الطاقة، قد ابتعدت عن هذا الخيار . ولذا فإن هذا الاستهلاك المفرط وغير الكفؤ للنفط لدينا في المنطقة لا يمكن أن يعزى إلا إلى الدعم المهول الذي يحظى به استهلاك الطاقة . وبحسب وكالة الطاقة الدولية فإن إجمالي الدعم العالمي الذي تلقاه النفط في عام 2010 بلغ 192 مليار دولار كان نصيب بلدان “أوبك” منه 121 مليار دولار . ولا يمكن فصل هذا الواقع عن حقيقة سعر تكلفة إنتاج النفط بعد الانتهاء التام من عملية الحفر، التي تراوح ما بين 3 إلى 5 دولارات للبرميل قبالة سعره العالمي الذي يزيد على مئة دولار .

(2) وماذا عن الغاز، لماذا يتوارى الغاز في المملكة العربية السعودية أمام الحضور القوي للنفط في قطاع توليد الطاقة وحسب، وإنما في كل مناحي الحياة السعودية؟ لا تزيد مساهمة الغاز في توليد الطاقة في المملكة العربية السعودية عن 35%، ومع ذلك فإن المملكة تحل في المرتبة الخامسة عالمياً من حيث احتياطيات الغاز، إلا أن أسعاره المنخفضة مقارنة بالنفط وشروط الاستثمار في الغاز التي تضمنتها مبادرات استكشاف واستخراج الغاز، لاسيما معدل العائد على الاستثمار لم يكونا مشجعين بما يكفي لجذب استثمارات شركات النفط العالمية التي فاوضت طويلاً للتعاقد على استثمار تلك الاحتياطيات . كما أن جزءاً كبيراً من الغاز غير المصاحب للنفط يتميز بصعوبة استخراجه للنفط ما لم ترتفع أسعار الغاز 4 أو 5 مرات عن مستواها الحالي لتعطي الجدوى لعملية استخراجه .

(3) إنما الجدير بالإشارة هنا هو أن المملكة العربية السعودية وكذلك بعض دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، إدراكاً منها بأن عصر النفط سوف يصل إلى نهايته ما إن يبلغ ذروته، سواء عاجلاً أو آجلاً، فقد شرعت بجدية في تلمس وارتياد آفاق مصادر طاقة جديدة لم ترتدها ولم تعرفها من قبل . الأمر يتعلق على وجه الخصوص بالطاقة الشمسية والطاقة النووية . ومع ذلك، وبموازاة هذا التوجه الحميد، يتعين عدم إضاعة مزيد من الوقت في وضع مسألة ترشيد استهلاك كفاءة استخدام الطاقة، على رأس قائمة أولويات تنمية الطاقات الإنتاجية وتحديداً قطاع الطاقة .