المنشور

بعد اختطاف الثورة المصرية والتونسية !!


ليس التغيير المطلوب كما يقول الاكاديمي حسين معلوم هو استبدال حكم بحكم أو نظام بنظام ولا قلب الاوضاع وتحويلها وفق منطلقات ايديولوجية معينة.. بل «خلق» الشروط التي تسمح بإدخال المجتمعات العربية في التفاعل الحضاري المادي والفكري العالمي الراهن، أي ارضاء الاحتياجات الاجتماعية بجميع المواطنين من منظورات ومعايير الحياة الدولية. فما يطمح اليه الفرد في كل المجتمعات «الحديثة» هو الخروج من الهامشية والاشتراك الايجابي في منجزات عصره انتاجاً وإبداعاً وأيضاً – استهلاكاً.
 
ويقول ايضا اذا كان هذا هو الطموح.. أي اذا كان طموح أي شعب في حدود الدولة الحديثة «في العالم العربي» كما في «العالم الثالث» ان يتغلب على الجهل والفقر والمرض والجوع والتخلف الاقتصادي والتهميش الاجتماعي والتسلط السياسي.. وأن يحقق مجتمعاً أفضل وفق الكثير من المؤشرات المستخدمة لقياس مدى «تقدم» مجتمع ما أو تخلفه،
فهل تلك الشعارات المرفوعة والاهداف المنشودة على ساحة العمل السياسي العربي كفيلة بتحقيق هذه القفزة في المجتمع؟ سؤال ملح أو سؤال يأتي في مقدمة الاسئلة الضرورية خاصة ان ما تشهده المجتمعات العربية ولا سيما مجتمعات «الربيع العربي» التي تربع على عرشها الاسلام السياسي أو الجماعات التي اختطفت الثورة تواجه تحديات ليست سياسية فقط وإنما اقتصادية واجتماعية وتنموية كثيرة.
 
وعن التجربة المصرية كتب عصام عبدالعزيز مقالاً يقول فيه: يواجه المصريون ازمة فكر اخطر من الازمة الاقتصادية التي يعاني منها.. فالبلد يمر بمنعطف خطير يهدد استقراره على المدى الطويل بسبب الصراع على السلطة بين الاخوان والسلفيين من ناحيه ومنافسيهم من ناحية اخرى «وهو صراع يشتد في وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري من مشاكل معقدة.. ونظرة سريعة على أوضاعنا الاقتصادية قبل الثورة وبعدها يشير الى هذه الحقيقة المؤلمة.. حيث كان الاحتياطي النقدي 36 مليار دولار انخفض الى النصف، كما خسرت مصر في نفس الفترة نحو 20 مليار دولار، حيث انخفضت السيولة في البنوك من 30 مليار دولار الى تسعة مليارات دولار حالياً.. وذلك بسبب هجرة بعض الودائع ولجوء الحكومة الى الاقتراض من البنوك وتجاوز ميزان العجز التجاري خلال العام الماضي حدود العشرة مليارات دولار وخسرت أكثر من اربعة مليارات دولار في قطاع السياحة ووصل عجز الموازنة المصرية، بالإضافة الى خدمة الدين الداخلي والخارجي الى نحو 76% من الناتج المحلي..
 
باختصار يمكن القول بأن مصر تواجه مخاطر اقتصادية حقيقية اذا ما استمر هذا الارتباك في ادائها.. واستمرت معها هذه المؤشرات المزعجة كما هي. وأخيراً يضيف معلقاً، أكثر ما يزعج المواطن العادي هو ان كل تفاصيل الاحداث التي عشناها جميعاً منذ اندلاع ثورة يناير كانت تدور حول الصراع على السلطة ومع انشغال القوى السياسية – خاصة تيارات الاسلام السياسي – بهذا الصراع تجاهلت تلك القوى مصالح الوطن والمواطن الاقتصادية وخذل الاسلاميون من اعطوهم الثقة والاصوات في الانتخابات البرلمانية وشعر الناس أن أهم معارك الاسلاميين هي «أخونة الدولة المصرية» وأن هدف رفع مستوى معيشة المواطن وتحسين نمط حياته قد اصبح فريضة غائبة عن تيارات الاسلام السياسي!
 
ولا يختلف الحال بالنسبة لتونس التي تشهد بعد الثورة حراكاً دينياً متعصباً يتناقض مع مفاهيم الديمقراطية وفي هذا المناخ اصدر المثقفون التونسيون بياناً ادانوا وشجبوا فيه ممارسات حزب النهضة. ويقول البيان الذي اشار له الصحافي محمد جزائري في تحقيق صحافي في «الشرق الوسط» عنوانه «المشهد السياسي في تونس»، «روح الحرية التي حركت انتفاضة الشعب التونسي تتعرض لاعتداء ات خطيرة ادت الى خلق مناخ من الخوف والعنف». ويزيد مثقفوا البيان انهم يرون «من واجبهم تنبيه المواطنين التونسيين الى دقة الوضع الحالي؛ لأننا لا نرى ان المشكلات التي تشهدها اليوم ناجمة عن صعوبات الانتقال الديمقراطي في حد ذاته بل نعزوها الى انتهاك مقصود لمبادئ الديمقراطية الوليدة هذه الاعتداءات صادرة من حزب النهضة والحكومة المنبثقة عنه، لقد اعتقدنا ان ما اعلنه هذا الحزب من تحولات نحو الديمقراطية امر حقيقي، إذ راهن عديد من التونسيين على قدرة هذه الحركة على تبني مفهوم للديمقراطية مستوحى من الاسلام، لكن الواقع يظهر خلاف ذلك، فلا نرى سوى زحف للايديولوجيا الاسلامية من اجل فرض نظامها الدوغمائي على المجتمع التونسي». وعلى صعيد البطالة تشير الاحصاءات الرسمية الى ان البطالة ارتفعت الى 5.3% لتبلغ خلال شهر مايو من عام 2011 نحو 18.30% في مقابل 13% في مايو 2010. واشارت المعلومات التي اصدرها المعهد الوطني للإحصاء الى ان عدد العاطلين عن العمل ارتفع ليبلغ 703 آلاف مقابل 491 الفاً في العام الذي سبق «الثورة». 

 
صحيفة الأيام  28  يوليو 2012