المنشور

هل تحوَّل الخلاف السياسي إلى عداء شخصي؟

للأسف فإن أغلب الردود على دعوات المصالحة الوطنية لاتزال تحمل الكثير
من التشكيك والرفض من قبل الناس العاديين، فكلٌ يتهم الآخر بخيانته وطعنه
في الظهر، والبعض يتحدث كيف انقلب أصدقاؤه وزملاؤه ومعارفه من الطائفة
الأخرى عليه، وكيف فقد العديد من الأصدقاء فأصبحوا لا يتحدثون معه، وكيف
انقلبت الأمور بعد الأزمة فأصبح زملاء العمل أعداء، والجيران غرباء عن
بعضهم البعض.

نحن هنا نتحدث عن الناس العاديين بعيداً عن المواقف
الرسمية والإعلام الرسمي والتابع له، والكتاب والسياسيين والزعماء الطارئين
من تجار الحرب الذين يؤججون نار الفتنة في كل مناسبة.

نحن نتحدث عن
بسطاء الناس، عن الزملاء في العمل والدراسة، عن الجيران وعن الأنساب
والأقارب نتيجة الزيجات المختلطة، عن الصداقات القديمة، هل تأثرت فعلاً
نتيجة هذه الأحداث، وهل غابت العلاقات الإنسانية تماماً بين الطائفتين.

شخصياً
لا أعتقد ذلك، وأرى أن هناك تضخيماً كبيراً للأمور، بحيث تم تعميم
الأخطاء، فإن أخطأت المعارضة تم تحميل جميع الطائفة تبعات هذا الخطأ، وإن
أخطأت الجمعيات الموالية تم تحميل الطائفة الأخرى تبعات ذلك. والحق أن أياً
من علاقاتي الشخصية مع الأصدقاء لم تتأثر نتيجة للأحداث، صحيح وبحكم
المهنة أصبحت أنفر من العديد من الزملاء ممن يثيرون الفتنة، ويزرعون الحقد
بين الناس لغاية في نفس يعقوب، ولكن – ولله الحمد – لم تكن لي في أي يوم من
الأيام علاقات شخصية معهم.

وصحيح أن هناك من استغل الأوضاع وخصوصاً
في مجال العمل حيث فُصل أكثر من 2000 موظف نتيجة ممارسات انتقامية من قبل
المسئولين، وصحيح أن هناك من وشى بزملائه في العمل، وهناك من شهد زوراً ضد
إخوانه، ولكنهم قلةٌ. وصحيح أن هناك من قام بالهجوم على المحال التجارية
ونهبها واستباحها واستحل السرقة منها، ولكن هؤلاء معروفون تماماً، كما هو
معروف من يحرّكهم ويدفعهم، إذ لم يكونوا في يوم من الأيام من نسيج المجتمع
البحريني.

لا أحد ينكر أن شرخاً كبيراً قد أصاب المجتمع، وأن
البحرينيين قد انقسموا على أنفسهم سياسياً وطائفياً، ولكن مع ذلك يبقى شيء
من الأمل في ألا تتطور الأمور إلى أكثر من ذلك، بحيث يتحوّل هذا الانقسام
إلى عداوة، ويتحول الخلاف السياسي إلى خلاف شخصي بين الناس.

جميل المحاري

صحيفة الوسط البحرينية