المنشور

إخراج مبرمج للقضية الفلسطينية



لكأن
القضية الفلسطينية »فص ملح وذاب« واختفى من على أجندة الاهتمامات
والانشغالات وحتى المداولات العالمية . ولكأن اللاعبين العالميين الكبار
واللاعبين الإقليميين قد توافقوا على تعليقها وركنها جانباً ريثما ينتهون
من القضايا التي رفعوها إلى صدارة انشغالاتهم وانهماكاتهم التي باتت الشغل
الشاغل اليوم للقوى الكبرى المؤثرة في مسار الأحداث .


ولكن  .
. وبما أن قانون دراسة وقياس الظواهر الاجتماعية الذي تتقدم فيه العوامل
الموضوعية على العوامل الذاتية وتجبرها على التكيف مع إيقاع تطورها ومحاولة
مجاراتها منعاً لاتساع الفجوة بينهما والتي لا تحمد عقباها، فإن العامل
الذاتي الذي تمثله هنا إرادة ورغبة تلك القوى الدولية والإقليمية، لا
يستطيع الحجر على حركة الموضوعي الذي يمثله في الحالة الفلسطينية الاحتلال
»الإسرائيلي« المتحرك على الأرض يومياً في صورة قضم أراضٍ جديدة، وبناء
وحدات استيطانية جديدة، وخنق مليون ونصف المليون فلسطيني في جيب جغرافي ضيق
(قطاع غزة)، فضلاً عن الاعتداءات والانتهاكات الجسيمة التي لا تتوقف قوات
الاحتلال »الإسرائيلي« عن ارتكابها يومياً ضد سكان الأراضي الفلسطينية
المحتلة .


وبهذا
المعنى فإن القضية الفلسطينية تفرض نفسها على الجميع، بمن فيهم الساعون
إلى تعليقها على الرف ريثما ينتهون من »أولويات« انشغالاتهم الآنية، وتتهيأ
لهم »الظروف المناسبة« لإعادة تحريكها ثانيةً شأناً عالمياً منظوراً
وقابلاً للتداول أخذاً وعطاءً!  . .
فعامل حراكها الموضوعي يعد في عداد العوامل الموضوعية عالية النشاط وذلك
بفعل الحراك الإجرامي النشط للاحتلال على الأرض من جانب، وبفعل الحراك
المقاوم للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال من جانب آخر، بما يشمل ذلك فترات
الهدنة غير المعلنة التي يتوسلها الاحتلال وبعض  أركان
الفصائل الممسكة بزمام السلطة في الأراضي الفلسطينية المحتلة لأغراض
مختلفة، فسرعان ما يُخترق ذلك الهدوء النسبي خصوصاً من جانب المحتل الذي لا
يستطيع تأمين احتلاله إلا عبر التحفز والتأهب الدائمين المفضيين بالضرورة
إلى العدوان والتوسع .


الآن،
وفي ظل هذا الانكفاء الموجه بشكل جلي وملموس من قبل كافة الأطراف المعنية
بالقضية الفلسطينية لأغراض معلومة، فإن بعض أحداث الصراع المتحرك على الضد
من رغبة الأطراف إياها، مثل قضية رفض محكمة »إسرائيلية« دعوى قضائية
أقامتها عائلة ريتشل كوري التي دهستها عمداً جرافة لجيش الاحتلال
»الإسرائيلي« في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة العام 2003 بعد أن حاولت
الحيلولة دون هدم أحد منازل الفلسطينيين، وهو ما يعني تبرئة المحكمة
»الإسرائيلية« للجيش »الإسرائيل«ي من جريمة قتل المتاضمنة الأمريكية مع
سكان القطاع المحاصرين، وأن القضاء »الإسرائيلي«، كباقي مؤسسات الكيان
الصهيوني، يوفر الغطاء السياسي والقانوني والأمني لجرائم الاحتلال . . . .
نقول في ظل هذا الاحتواء و»الحجز الاحتياطي« – إن جاز التعبير – للقضية
الفلسطينية، فإن قضية بخطورة استهزاء واستهتار القضاء »الإسرائيلي«، الذي
صار يعمل على المكشوف بالمناسبة، أي بنفس العقلية الفاشية لساسة »إسرائيل«،
تمر هكذا مروراً هادئاً من دون أن تستدعي ردود فعل فلسطينية وعربية تتناسب
مع حجم الجرم القضائي »الإسرائيلي« الذي ضبط متلبساً في وضح النهار، ولا
مبالاته واستهتاره واحتقاره ليس فقط للبعد القانوني لجريمة تعد في عداد
الجرائم مكتملة الأركان التي لا تحتمل إطالة عملية التداول القضائي فيها،
وإنما بعدها الإنساني والأخلاقي الأكثر سطوعاً .


فهذا
بحد ذاته مدعاة إلى التساؤل: أولم يكن في المستطاع تنسيق جهد بشري وتقني
ومالي محدود وسريع، حتى من خارج السياقات الرسمية »الهائمة« على وجوهها في
تيه هزات »الربيع العربي« وارتداداتها، يتولى تجريد حملة في أجهزة الميديا
الأوروبية، وكذلك وبشكل انتقائي محسوب في بعض أجهزة الميديا الأمريكية، ذات
هدف محدد وهو تلطيخ سمعة القضاء »الإسرائيلي« وإلحاق الخزي والعار
ب»إسرائيل«؟


وبكلمات أخرى، ومن باب أضعف الإيمان: هل تلك المقاربة النضالية المحددة الهدف والزمان والمكان كانت متاحة وممكنة التحقيق  .
. في ضوء انكفاء الجميع، أصحاب الدعوى والمتداخلين فيها، بسبب الظروف
الطارئة التي اقتحمت فجأة المشهد السياسي الشرق أوسطي باسم »الربيع
العربي«؟


الجواب
هو أن هذه المقاربة النضالية المتواضعة، بالقطع متوافرة وممكنة التحقيق
حتى بظروف التباساتها وملابساتها المعروفة بتوفر شرط إرادة الفعل لدى
المتحركين على موضوع القضية . ولكن وبالاستعارة من اللغة الاقتصادية سنقول
إنه حتى ذلك الحيز الضيق من ساحة النضال هو متاح دفترياً أو اسمياً، ولسوف
يختلف الموضوع في حال انتقاله إلى السوق الذي يقرر عادة قدرة »المبيع« على
تسويق نفسه . وللسوق صانعوه Market Makers)  ( كما يعرف رواد البورصات .