المنشور

ماذا نفعل لو استنفدنا القوة الاقتراضية؟!

(MENAFN –
Akhbar Al Khaleej) بين مطرقة الحاجات الفعلية لتوفير متطلبات المعيشة،
وسندان الرغبة في الارتقاء إلى مستوى المعيشة اللائق، يلجأ الأفراد من
شريحة ذوي المداخيل المتوسطة الذين يشكلون النسبة الأعلى في المجتمع، إلى
تقديم أنفسهم (قرابين لمحرقة القروض)، ويجدون أنفسهم في حالة أشبه بلعبة
المتاهة، تضل بهم عن كل باب للخروج يبحثون عنه، فيلجأون إلى مؤسسات أهلية
(تزعم) أنها تقدم جزءا من ملايين الدنانير التي تكسبها سنويا من خلال
متبرعين، فيقوم بعضها باستغلالهم أبشع استغلال، كما تفعل البنوك التي
يلجأون إليها للاقتراض (خروجا عن كل الضوابط).


ظلموا المواطن
البحريني فقالوا إنه يفتقر إلى (الثقافة الادخارية)، فما يفتقر إليه ليس
ثقافة، بقدر ما يكون رفعا لمستواه المعيشي، بما لا يعرضه لمثل هذا
الاستغلال.. فإلى أين نمضي؟
هذا هو فحوى التحقيق الذي نجريه هنا
اليوم، وهي قضية اجتماعية خطيرة تتداخل فيها الأحداث وتتقاطع خلالها
التجاوزات، بشكل نحتار معه عن توجيه الأصابع الى المسئولين عن تفشيها.
يقول رائد الدوسري موظف بجهة رسمية، رب أسرة مؤلفة من ٣ أفراد إنه اقترض
خلال السنوات الثلاث الماضية ٢٢ ألف دينار، أنفقها في الزواج وشراء سيارة
وتعديلات أجراها على بيت الأسرة الذي يسكنه إخوته، فيما يستأجر هو شقة بـ
٢٠٠ دينار شهريا.
رائد لا يعرف نسبة الفائدة التي يستقطعها البنك
على الـ ٣١٠ دنانير التي يسددها لآخر بنك اشترى ما تبقى من القروض القديمة
التي انتقلت من بنك لآخر، لثالث، ولكنه يعرف تماما أنه لا يتبقى من أجره
البالغ ٦٠٠ دينار، بعد هذا الاستقطاع ودفع إيجار الشقة، سوى ٥٠ دينارا،
الأمر الذي يضطره إلى تكييف حاجاته في حدود المبلغ المتبقي، حتى سداد آخر
قسط بعد خمس سنوات من الآن، متأكدا أنه سيضطر إلى التجديد والإضافة وإلى
الخضوع تحت رغبات البنك الذي سوف يحدد نسبة الفائدة (على هواه) مثلما يقول.
وفي هذه الحالة، فإن نسبة إجمالي الأقساط التي تستقطع من الأجر الشهري
لرائد، تفقو نسبة الـ ٥٠% المحددة كسقف أعلى للإقراض من قبل مصرف البحرين
المركزي.
متوسط نسب الفوائد
وبحسب التقارير الرسمية
المقدمة من مصرف البحرين المركزي، فإن متوسط نسبة الفائدة على القروض
الشخصية في الربع الثاني من العام الجاري هي ٥.٧٩%، وقد انخفض هذا المعدل
كثيرا من مستويات ٦.٩٣% التي حددته نفس الجهة في النصف الثاني من ٢٠١١.
وتشير تلك التقارير إلى أن متوسطات نسب الفائدة على القروض الشخصية تذبذبت
بين ٦.٩٣% في الربع الثاني ٢٠١١، و٦.١٦% في الربع الثالث، و٦.٢٨% في الربع
الرابع، و٦.٢٧% في الربع الأول من هذا العام، قبل أن تتراجع إلى نسبة
٥.٧٩% وهو أدنى نسبة فائدة خلال عام ونصف العام، غير أن هذه المتوسطات لا
تعبر بالضرورة النسب الحقيقية المتباينة التي تستقطعها البنك على القروض
الشخصية حالة بحالة على حدة.
تراجع نسبة الفائدة على القرض قد يكون مصحوبا بتراجع حجم الطلب عليه، وهذا ناتج عن استنفاد المقترض قواه الاقتراضية.
لا ندري إلى أي مدى تلتزم المصارف بالضوابط الصادرة من مصرف البحرين
المركزي، بشأن تحديد نسبة الـ ٥٠% كأعلى سقف للإقراض، ولكن بعض المصارف
تستغل حاجة المواطن إلى الاقتراض فوق نسبة الـ ٥٠%، وبالتالي تحدد نسبة
الفائدة التي تريدها على المقترض المضطر إلى القبول بها، وهذا ما يعبر عنه
نادر إبراهيم بقوله حتى لو كانت نسبة الفائدة ١٠٠%، فأنا مضطر إلى الموافقة
عليها إذا استدعت الحاجة.
ضوابط الإنفاق.. بنفت
سألنا
الرئيس التنفيذي لشركة بنفت عبدالواحد جناحي حول مدى التزام المصارف بهذه
الضوابط، فقال بوصفنا شركة تدير برنامج مركز المعلومات الائتمانية، ونقدم
وفقها المعلومات للمصرف المركزي، فإن مستوى حصولنا على المعلومات، تحسن
كثيرا عما كان عليه في السابق، حيث قمنا بتجديد السواد الأعظم من المعلومات
القديمة أو الخاطئة عن الأشخاص، وهذا يحسن بلا شك تطبيق الضوابط بشكل
فاعل، غير أن هناك تسهيلات يحصل عليها المقترضون من مؤسسات تجارية تسوق
مبيعاتها بالأقساط من دون اشتراط مرور التمويل عبر وسيط بنكي، وهو أمر
استطعنا من خلال اتصالات مكثفة مع مثل هذه المؤسسات ولاسيما في قطاع مبيعات
السيارات، التوصل إلى تفاهمات بضرورة التقيد بالأنظمة والضوابط، وقطعنا
شوطا كبيرا في هذا الجانب الذي ينطوي على مخاطر على المؤسسات التجارية غير
المتقيدة بأنظمة المصرف المركزي.
قلنا له إن تقيد المؤسسات
التجارية التي تبيع سلعها مرتفعة السعر نسبيا (كالسيارات) بالأقساط
للمواطنين، لا يقدم بالضرورة صورة جلية عن حماية نسبة الـ ٥٠% الأخرى من
الأجر الشهري للمقترض، وهي الفلسفة التي على أساسها سن المصرف المركزي
ضوابط السقف الأعلى لقرض الشخصي، فإيجار المساكن والمقتنيات الالكترونية
وغيرها لا تحتسب ولا تملك بنفت معلومات عنها وبالتالي لا تقدمها، فقال
لدينا حاليا، استراتيجية بالارتقاء بمستوى مركز المعلومات إلى مصاف قريب من
المستويات التي تعمل عليها الدول الأوروبية التي تدرج في المعلومات
الائتمانية للمستهلك جميع النفقات المهمة كالتأمين والإيجار والاتصالات
وغيرها، ونحن على اتصال بعدة جهات لإيجاد آلية تمكننا من الحصول على
معلومات كاملة عن معظم مصادر إنفاق المستهلك.
لوحة بانورامية أخرى
نادر إبراهيم موظف بمؤسسة رسمية، أب لمجموعة من الأطفال في مختلف المراحل
الدراسية بين الابتدائية والإعدادي، يتقاضى أجرا شهريا حدده بـ ٧٠٠ دينار،
يدفع عن أقساط لقروض مصرفية (متنقلة من بنك إلى آخر، إلى ثالث) ٣١٥ دينارا
شهريا، بالإضافة إلى ١١٢ دينارا أخرى نظير إضافة الى قرض سابق، لا يبقى من
أجره سوى ما لا يمكن أن يكفي لسداد حاجاته ومتطلبات أسرته الضرورية بعد
سداد إيجار المسكن.
ألجأته هذه الظروف إلى طلب المساعدة من بعض
الجمعيات الخيرية.. يقول إنه تلقى اتصالا من إحداها، لكنه لم يجد في نهاية
المطاف عونا منها، لأنها جمعيات لا تقدم المساعدة إلى للمنتمين اليها
فكريا.
لقد تحولت هذه المؤسسات إلى مؤسسات مسيسة بالكامل، ليس من
النواحي الطائفية بين سنية وشيعية، ولكن من النواحي الانتمائية في أبناء
الطائفة الواحدة، وهناك قصص كثيرة (مخزية) قامت بها الكثير من هذه
المؤسسات، لا نملك كمؤسسة إعلامية سردها جزافا من دون إثباتات وهو أمر صعب
عمليا، ولكن الذي يحدث أن الكثير من الجمعيات السياسية لم تعد تعمل للأغراض
التي أنشئت من أجلها كما تم الإعلان عنها، بقدر ما تحولت إلى (بؤر)
للتجاوزات والتحزبات واستغلال المنتفعين من غير المنتمين إليها، وتلك قضية
أخرى قد نفرد لها جانبا من التحقيق في مجال قادم.
المهم أن نادر
إبراهيم ينظر إلى الأمر بسوداوية كبيرة فيقول: لا يموت الناس في البحرين
جوعا، ولكن هذا المستوى الضعيف جدا من القوة الشرائية، مقابل الارتفاع
الكبير جدا في أسعار السلع الضروية، والعودة إلى المدارس بعد مناسبة عيد
رمضان مباشرة، قد يعرض ذوي المداخيل المحدودة والمتوسطة للاستغلال من أكثر
من جهة.
وبحسب آخر تقرير للجهاز المركزي للمعلومات، فإن أسعار
المستهلك ـ مؤشر التضخم الرسمي في البحرين ـ ارتفعت بنسبة ٣.٢% في أغسطس
الماضي (٢٠١٢) على أساس سنوي، و٠.٤% على أساس شهري.
الارتفاع، بحسب
تفسير التقرير الذي نشر الأسبوع الماضي، مرتبط بالارتفاع الذي طرأ في
قائمة الترفيه، وهي حالة طارئة ستزول بزوال المسببات (الرحلات السياحية
المنظمة كالحج والعمرة)، كما هو مرتبط بأسعار المواد الغذائية حيث يشير
التقرير إلى ارتفاع في أسعار الأسماك والمنتجات البحرية والألبان ومشتقاتها
والبيض بنسبة ٥.٢%.