المنشور

عشر سنوات على المحكمة الجنائية الدولية

يحتفل العالم هذا العام بالذكرى السنوية العاشرة على تأسيس المحكمة
الجنائية الدولية، وقد اختيرت مدينة نورينبيرغ بألمانيا مكاناً للاحتفال
لكونها شهدت أولى محاكمات جرائم الحرب للقادة النازيين بعد الحرب العالمية
الثانية في العام 1945.

وتأتي أهمية تأسيس المحكمة الجنائية الدولية
كونها مكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية وعلى ضمان الاحترام الدائم
لتحقيق العدالة الدولية في حال لم يستطع القضاء المحلي تحقيق المحاكمة
العادلة ومحاسبة موظفي ومسئولي الدولة الذين ارتكبوا انتهاكات في مجال حقوق
الإنسان، على غرار ما حدث مع محاكمات قادة يوغسلافيا السابقة ورواندا
وغيرها.

ورغم أن المحكمة لاتزال تواجه تحديات عدة لتحسين عملها، بما
في ذلك الحد من الوقت للوصول الى الحكم، وتحسين أدائها، وتطوير التعاون بين
الدول، إلا أنه مازالت هناك دول تتهرب من الانضمام إليها خوفاً من
المحاسبة، أو لاعتبارات أخرى تضعها. ومن بين هذه الدول الولايات المتحدة
الأميركية وإسرائيل والسودان.

أما الدول العربية فقد اعتمد الأردن في
العام 2002 نظام روما الأساسي في المحكمة الجنائية الدولية بسبب ضغط
الاتحاد الأوروبي الذي يربط مساعداته لأي دولة بمدى التزامه بحقوق الإنسان،
بينما اعتمدت تونس نظام روما بعد انتصار ثورة الربيع العربي فيها في العام
2011.

وحالياً تقود المسيرة الدولية لاعتماد نظام روما الأساسي
الدول الأوروبية وذلك للانضمام إلى المحكمة الدولية بما في ذلك فرنسا، وهي
تعد واحدة من أكبر الداعمين لها، معتبرة أن إنشاء المحكمة الجنائية الدولية
يعد «طفرة تاريخية» بالنسبة للبشرية في كل مكان، وخصوصاً أن المحكمة
الدائمة مسئولة عن الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم
الحرب التي يجب ألا تمر دون عقاب.

لقد عقدت هذه الدول العزم على وضع
حد للإفلات من العقاب وعلى الإسهام بالتالي في منع هذه الجرائم، وإذ تذكر
بأن من واجب كل دولة أن تمارس ولايتها القضائية الجنائية على أولئك
المسئولين عن ارتكاب جرائم دولية، وتؤكد من جديد مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم
المتحدة، وخصوصاً أن جميع الدول يجب أن تمتنع عن التهديد باستعمال القوة أو
استعمالها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأية دولة، أو على
أي نحو لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة.

وهو ما جاء في النظام الأساسي
للمحكمة الجنائية الدولية الذي يعرف بـ «نظام روما الأساسي»، الذي تشير
نصوصه إلى انه «لا يوجد في هذا النظام الأساسي ما يمكن اعتباره إذناً لأية
دولة طرف بالتدخل في نزاع مسلح يقع في إطار الشئون الداخلية لأية دولة، وقد
عقدت العزم، من أجل هذه الغايات ولصالح الأجيال الحالية والمقبلة، على
إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة مستقلة ذات علاقة بمنظومة الأمم المتحدة
وذات اختصاص بالجرائم الأشد خطورة التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره».

ويحتوي
نظام روما الأساسي، الذي دخل حيز التنفيذ في العام 2002، بابين تضمّن
الأول مواد تخص إنشاء المحكمة الجنائية الدولية وهيكلتها وتنظيم سير عملها،
أما الباب الثاني فقد اهتم بـ «الاختصاص والمقبولية والقانون الواجب
التطبيق». وقد جاء في ديباجة نظام روما الأساسي، أن الدول الأطراف في هذا
النظام الأساسي «تدرك أن ثمة روابط مشتركة توحد جميع الشعوب وأن ثقافات
الشعوب تشكل معاً تراثاً مشتركاً. وإذ يقلقها أن هذا النسيج الرقيق يمكن أن
يتمزق في أي وقت. وإذ تضع في اعتبارها أن ملايين الأطفال والنساء والرجال
قد وقعوا خلال القرن الحالي ضحايا لفظائع لا يمكن تصورها هزت ضمير
الإنسانية بقوة».

كما جاء في نص الديباجة أن الدول الأطراف «تسلم بأن
هذه الجرائم الخطيرة تهدد السلم والأمن والرفاه في العالم»، و «تؤكد أن
أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره يجب ألا تمر دون عقاب
وأنه يجب ضمان مقاضاة مرتكبيها على نحو فعال من ضمن تدابير تتخذ على الصعيد
الوطني وكذلك من خلال تعزيز التعاون الدولي».

من هنا، نجد ضرورة نشر
الثقافة القانونية الدولية في المجتمعات العربية التي تحظى بقائمة طويلة
من الانتهاكات والتعريف بجملة الاتفاقيات والبروتوكولات والمصادقة على
المعاهدات الدولية وغيرها لأنها تعد وقاية من الجرائم الخطيرة مستقبلاً،
لأن المنصب الرسمي لا يعفي المسئول من التتبع أمام القضاء الجنائي الدولي
في صورة ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، من أجل إنصاف ضحايا
انتهاكات حقوق الإنسان.

ريم خليفة
صحيفة الوسط البحرينية