المنشور

عن فيلم “وطن واحد يجمعنا”




وسط
غلواء التسعير المذهبي والفئوي الذي ينخرط فيه دعاة الفتنة من كل لون وشكل، تطل
علينا مبادرة جديرة بالتقدير، ترعاها مؤسسات المجتمع المدني البحرينية تمثلت في
فيلم بعنوان: “وطن واحد يجمعنا”، فكرة وإخراج الفنان أحمد الفردان الذي
اشترك مع إيمان علاوي ومحمد إبراهيم في وضع النص، وهو فيلم فيلم تسجيلي يقع في
دقائق معدودة، أنتجت منه حتى الان حلقتان، تركزان على إيصال فكرة واحدة، واضحة، شديدة
الأهمية، هي أن البحرين وطن يتسع لجميع أبنائه ويوحدهم تحت جناحيه. 



حملتني
مشاهدة حلقتي فيلم “وطن واحد يجمعنا” على تذكرقصة قصيرة قديمة لكاتب
سوري

تستوقف كل من يقرأها، وأذكر أني كتبت غيرمرة عنها، أولاها
كانت منذ سنوات، عندما نشرت في مجلة”الرافد” الصادرة في الشارقة بدولة
الامارات، وتتمحور القصة حول

رجلين يلتقيان
عند موقف الباص، لم يُسلم أي منهما على الثاني، ولم يبتسم أي منهما للآخر، كان كل
منهما يروز الثاني بنظرة حادة. إذا جلس أحدهما على المقعد قام الثاني ونظر نظرة شزرة،
ولا يلبث الواقف أن يتعب، فالشمس حارة وطاقة الصبر والأناة استهلكها العمل فيجلس،
ويقوم الجالس وينظر نظرة قاسية ويدير ظهره. لم يصل الباص إلا وكان كل منهما يتمنى
في سره سحق الآخر، كما يسحق صرصور تحت قدم حانقة.



تُعبر
هذه الحكاية عما يمكن أن ندعوه سيكولوجياً المواطن العربي البسيط الذي تسحقه
الأزمات المعيشية وتطحنه دوامة الحياة القاسية، وتهدر كرامته وهو يريق ماء وجهه
مرات في اليوم الواحد جرياً وراء تأمين لقمة العيش له ولأطفاله، في أوطان تبدو
الآفاق أمامها مسدودة، وفي مثل هذه الحالات تعمل آلة دعائية مغرضة على  إفتعال وهم لدى المواطن المسحوق بأن سبب انسحاقه
هو شريكه الآخر في الشقاء، الواقف مثله في انتظار دوره في الحصول على سكن، أو
تأمين قرض يتدبر به شؤون أطفاله وعائلته. تماماً كما هو حال الرجلين الواقفين في انتظار
الباص المكتظ بالركاب في قصة الكاتب السوري المشار إليها، بدلاً من أن يعي الاثنان
  أنهما ضحية سياسات واحدة، وبدلاً من توحيد
جهودهما ضد هذه السياسات، يجري تشتيتها من خلال إشاعة جو من الكراهية والبغضاء
بينهما، ودفع كل منهما للبحث عن الخلاص في نفي شريكه في الوطن والمجتمع والتاريخ
عبر استثارة موروث الخلافات المذهبية أو العرقية أو سواها، وإعادة تزويدها بالوقود
اللازم لتستخدم في أغراض راهنة، من خلال استفزاز الهويات الفرعية إما بتسعيرها أو
بازدرائها، مما يؤدي في الحالين إلى تأجيج الكراهية وإطالة أمدها، فالهويات يجري
ترشيدها بالخطاب العقلاني، ويجري دفعها نحو التطرف بخطابات العنف اللفظي وغير
اللفظي.



علينا
بعد رؤية هذه التحولات أن نفهم الحال التي بلغناها من الخيبة والفُرقة، حين صار
المواطن مسكوناً بالسؤال عما يستطيع أن يفعله، مما يتطلب تشجيع أي جهد مهما كان
بسيطاً، حتى لوبدا خافتاً أمام موجات التسعير منفلتة العقال، كما هو فيلم الفنان
الموهوب أحمد الفردان الذي يدعونا لأن نسترد أنفسنا التي صودرت، وأن نظهر أفضل ما
فينا.