المنشور

التقرير.. والضجة.. وماذا بعد ؟!


مملة هي جردة المواقف وردود الافعال الهزلية المتكررة التي ألفناها تقفز الى الواجهة مع نشر تفاصيل كل تقرير من تقارير ديوان الرقابة المالية والادارية، وهي اجمالا ليست بمقنعة لا هي ولا الردود المواربة والمرتبكة التي تطلقها الجهات الرسمية المعنية، وهي الردود التي تبرر او تنفي المآخذات والمخالفات والتجاوزات التي نحسب انها اجمالا تخفق في الاقناع وتبعث على خيبة امل وارتياب عميق في اوساط الناس، خاصة انها تخلو من اي معنى ذي قيمة او دلالة، وهي ردود ربما تطرح بمحض العرف واسوأ ما فيها انها لا تعامل المواطنين معاملة الراشدين..!!. 

 هذه الايام، وتلك المقبلة تستحق ان توضع موضع التأمل، حيث موسم تقرير جديد وحيثياته نشرت على الملأ، تصدرت العناوين وأثارت التساؤلات، وهو على غرار التقارير الثمانية السابقة يضع اليد وبشكل جلي على علل وانحرافات وامور تقلب المواجع وتستنفر الضمائر، وهو يضع مجددا كل الاطراف المعنية امام مسؤولياتها، ولذا من المهم ان نرصد ما اذا كان ثمة تبدل في المعزوفة، ليس في التنظيرات والسجالات والمزايدات التي تستثمر هذه الاطلالة الجديدة للتقرير، ومايكشف عنه في ابوابه الخمسة من مآخذات ومخالفات، وليس في التبريرات والذرائع التي تثيرها الجهات الرسمية الموسوم معظمها بشيئ من الخفة في ادارة الشؤون العامة والمال العام، بل الاكثر اهمية هو رصد ومتابعة مرحلة ما بعد التقرير، وما اذا كان هناك ثمة جدية في تجاوز حالة تبخيس قيم المساءلة والمحاسبة، ام سيظل هذا التقرير مجرد اداة تنفيس موسمية، حيث الاصداء معروفة، والنتائج معروفة.
 
 لا يتغير شيئ، تقرير تلو تقرير، صحف تنشر الوقائع، ومن يعدون انفسهم نشطاء في كل حقل وميدان «كل يغني على ليلاه»، ومؤسسات المجتمع المدني تتحرك في اكثر من اتجاه تطالب بالمحاسبة وبمواقف حاسمة وحازمة لمحاربة الفساد، فيما النواب فحدث عنهم ولا حرج، يتوعدون ويلوحون باستجوابات ومساءلات وبلجان تحقيق، ويطلقون تصريحات يعلم الله كم هو شرس بعضها، ولكن لا شيء غير ذلك، اما ذوو الحول والطول والقرار في الجهات الوارد ذكرها بالتقرير، فمنهم من يؤثر الصمت كما يفعل في العادة، لا يرد ولا ينفي ولا يؤكد، ليس استكبارا او تهربا ولكن اظن- رغم ان بعض الظن اثم- انه حرصا على مشاعر الناس واوقاتهم..!!، فيما غيرهم وعبر بيانات «الطنطنة» «يتفننون» في استنباط الذرائع والاعذار ويدقون على وتر الحرص على المال العام، وحماية حقوق وممتلكات الدولة، ولا يسرفون في التأكيد على رغبتهم الصادقة في التعاون وبانهم لن يترددون في اتخاذ اللازم من اجراءات.

اما الطامة الكبرى فتتمثل في تلك النوعية من المسؤولين الذين يظهرون بانهم غير تواقين لاي رد او توضيح وكأن الامر لا يعنيهم لا من قريب او بعيد. كل تلك الاصداء معروفة، بقدر ماهي معروفة النتائج والتي هي مرآة لأمر واقع، وهذا الأمر الواقع ما هو الا نتيجة لتغييب قيمة المساءلة والمحاسبة او الاستخفاف بها، او هزالة حضورها ان وجدت، او اخضاعها للمزاجية والاهواء والنيات الخفية والمبيتة، والحسابات الخاصة، وهو ايضا نتاج طبيعي لتقاعس النواب عن اداء دورهم في الرقابة والمساءلة، وهو الدور الذي باختصار شديد عليه اكثر مماله.
 
انها لمراهنة ان نحلم بتعاط مختلف مع التقرير الجديد، سهل جدا ان نرصد الاقوال، الأقوال التي تبشرنا بفعل يفي بالغاية ويشفي غليل الناس ويخدم جهود الاصلاح.. انما الصعب، وانما المحك هو ان تتحول هذه الاقوال.. هذه الوعود الى افعال.. والافعال تختزل في الذهاب الى ابعد من مجرد اصدار تقرير رقابي سنوي له من الاصداء ماله، الى صناعة التغيير واستحضار قيمة المساءلة والمحاسبة، وعدم اغفال التصدي لجوهر المشكلة والاكتفاء بالعموميات، فطالما هناك مخالفات فذلك يعني ان هناك مخالفين، وطالما هناك تجاوزات فمن البديهي ان يكون هناك متجاوزين، وطالما هناك فساد فحتما هناك فاسدون.
 
ويبقى المطلب الملح على الدوام، ان يقوّم الاعوجاج، وان يعطي الاعتبار لتلك القيمة الغائبة التي لازالت في خانة التمنيات المجردة واستحقاقاتها لا تزال في عالم الغيب..!


3 نوفمبر 2012