المنشور

يعود كطائر العنقاء . . ولكن!



كطائر العنقاء يخرج الرئيس الأمريكي باراك
أوباما من تحت الركام الذي هاله عليه غلاة اليمين الجمهوري المتطرف، بهدف قطع طريق
العودة عليه إلى البيت الأبيض، وإيصال “فارسهم الهمام” ميت رومني للحلول محله في
كرسي الرئاسة الأمريكية . . قاطعاً، في اللحظة الأخيرة الحاسمة، الشك باليقين، بعد
أن راحت الأنباء في الأسبوع الذي سبق يوم الحسم التاريخي في السادس من
نوفمبر/تشرين الثاني ،2012 تراهن على نتائج استطلاعات الرأي التي كانت تشير إلى
تقارب حظوظ المرشحين أوباما ورومني في الفوز بالكرسي “البيضاوي” . وهذا بالفعل ما
أسفرت عنه الانتخابات من نتائج، حيث لم يتجاوز عدد الأصوات التي تفوّق بها الرئيس
أوباما على رومني على المستوى الوطني سوى نحو 600 ألف صوت، أي أقل من واحد في
المئة من الأصوات . ولكن الواحد في المئة هي التي أمنت له الفوز المريح بحصوله على
أصوات 303 من إجمالي المجمع الانتخابي البالغ 538 صوتاً تمثّل أصوات جميع الولايات
الأمريكية الخمسين، أي بأكثر من عدد الأصوات المطلوبة لفوزه والبالغة 270 صوتاً . 
  
واللافت أنه برغم السجل البالغ السوء لأداء
الإدارة الجمهورية السابقة برئاسة جورج دبليو بوش في مجال الاقتصاد والسياسة
الخارجية، إلا أن الجمهوريين ومرشحهم ميت رومني لم يترددوا طوال الحملة الانتخابية
عن استخدام أبشع الوسائل لمحاولة النيل من خصمهم الرئيس باراك أوباما، سامحين
لأنفسهم في بعض الأحيان لتخطي الخطوط الحمر، بتهجمهم الشخصي المشين على الرئيس
أوباما، بإثارة مواضيع انتمائه الديني والعرقي والتشكيك في ولائه ل”إسرائيل” التي
هي “قدس الأقداس” بالنسبة للزمرة الليكودية في تيار اليمين المتطرف الذي صار يقترب
أكثر فأكثر من مواقع الفاشية الجديدة المتفشية في أوساط ميليشيات اليمين الأمريكي
المتطرف وحتى في أوساط ما يسمى بحزب الشاي “Tea Party”، الجناح الأكثر خطورة الذي صعد نجمه داخل
تيار الحزب الجمهوري، بعد خسارة مرشح الحزب جون ماكين أمام باراك أوباما في
انتخابات الرئاسة الماضية . 
  
اعتقد الجمهوريون للحظة أن الإعصار “ساندي”
الذي ضرب خصوصاً ولايتي نيويورك ونيوجيرسي وألحق بهما دماراً هائلاً قبل بضعة أيام
من موعد الانتخابات، بمثابة هدية من السماء يمكن أن تكون نقمة على أوباما وحظوظه
الانتخابية . لكن الرئيس أوباما، وعلى عكس منافسه رومني أظهر خصاله كقائد للأمة
حين تلم بها الشدائد، فأكسبته “انتفاضة” الطبيعة شعبية إضافية . 
  
ولما أعيتهم الحيلة عاد أفراد طاقم حملة
المرشح الجمهوري للعب بورقة التشهير والتسقيط ضد الرئيس أوباما، فقاموا بتسريب
شريط فيديو يزعمون فيه حصول أوباما على دعم من الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز . حيث
قام طاقم حملة المرشح رومني بنشر ثلاث فقرات إعلانية مدة كل منها 30 دقيقة يوم
الثلاثاء 30 أكتوبر/تشرين الأول 2012 في برنامج تلفزيوني شعبي، يبث باللغة
الإسبانية في ولاية فلوريدا الجنوبية، ثم أُعيد بث الفيلم في اليوم التالي أربع
مرات على محطة البث نفسها . 
  
كان القصد من وراء تسريب هذا الشريط الإساءة
للرئيس أوباما في أوساط الناخبين الأمريكيين من أصول لاتينية، خصوصاً في ولاية
فلوريدا القريبة من الشواطىء الكوبية، حيث تداوم أجهزة الميديا الأمريكية على مدار
الساعة على بث الدعاية السياسية في أوساط المهاجرين الكوبيين والمهاجرين
اللاتينيين بصفة عامة ضد كوبا والرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو ،وضد صديقه
الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز الذي تعده الولايات المتحدة عدواً لدوداً لها، ولا
تترك سانحة إلا واستغلتها في حملتها المعتادة لشيطنة الرئيس الفنزويلي في عيون
الرأي العام الأمريكي، وبالتالي التعريض والتشهير بكل من يرتبط به من قريب أو بعيد
ومنهم الرئيس باراك أوباما في هذه الحالة . 
  
وكل ذلك رغماً عن عدم صحة رواية الشريط
المزورة، من حيث عدم مسؤولية الرئيس أوباما عن تصريح منسوب للرئيس الفنزويلي شافيز
يقول فيه إنه يحبذ فوز الرئيس أوباما في الانتخابات الرئاسية الأمريكية . . ورغم
أن فنزويلا تزود الولايات المتحدة بنحو عُشر (واحد على عشرة) حاجتها من النفط (نحو
مليون برميل يومياً من اجمالي واردات الولايات المتحدة من النفط البالغة نحو10
ملايين برميل يوميا) . 
  
أما الذي أضحى لافتاً فهو أن مفعول تلك
“المزحة” اليائسة كان معدوماً تقريباً، وذلك ناتج ربما عن ضعف حبكة التلفيق في
الرواية المزعومة . فقد جرت العادة في مثل هذه الحالات، حين يتبيّن الخيط الأبيض
من الخيط الأسود وينكشف البطلان المكذوب لمثل هذه التقولات والادعاءات وأغراضها
الماكرة والخبيثة، فان نتيجتها ترتد على أصحابها وتقوي المدعى عليهم . فذم الأشخص
بما ليس فيهم يقويهم لا يضعفهم . 
  
الآن . . صحيح أن الرئيس باراك أوباما خرج من
تحت الرماد كالعنقاء وخطف الفوز بالكرسي الرئاسي من منافسه الجمهوري رجل الأعمال
المليونير ميت رومني (قُدرت ثروته هذا العام بنحو ربع مليار دولار)، إلا أن أسئلة
جوهرية سوف تبقى معلقة تبحث عن إجابات ما برحت الطبقة الحاكمة الأمريكية تحتكر
السلطة وتنافس بعضها بعضاً . هذه الأسئلة هي: كيف قُيض للجمهوريين أن يجعلوا من
مرشحهم رومني منافساً ندياً حتى آخر لحظة من فرز أصوات الناخبين ولم يتفوق عليه
أوباما سوى بنسبة 1% فقط؟ . . ولماذا تمكنوا من الاحتفاظ بأغلبيتهم في مجلس النواب
رغم مسؤوليتهم الواضحة وضوح الشمس عن الخراب الذي ألحقوه باقتصاد بلادهم ورغم
توريطهم لها في حروب خارج الحدود استنزفت مواردهم وأزهقت أرواح أبنائهم؟! 
  
هذا يعني، ضمن ما يعنيه، أن محصلة الحراك
السياسي في الساحة الأمريكية بقيت كما هي حتى بعد مرور أربع سنوات على هزيمة
الديمقراطيين للجمهوريين في انتخابات الرئاسة، أي تعادل القوتين السياسيتين اللتين
تهيمنان على مقدرات البلاد (الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي)، وأن البلاد مازالت
منقسمة إلى نصفين تقريباً . . نصف مع الحزب الديمقراطي والنصف الآخر مع الحزب
الجمهوري . . من الناحية الورقية على الأقل (المُدبجة في كشوفات الناخبين) . 
   وهذا يعني أيضاً أن نزعة
الهيمنة الأمريكية الداخلية ستبقى أحد “منتجات” الصادرات الأمريكية للخارج التي
تعتاش عليها التنافسية الأمريكية في تعظيم جاذبية سلعها وأسواقها، لتشكل على
الدوام حالة من عدم الاستقرار الدولي ما بقيت وما ظهرت حكومات تنزع نحو
الاستقلالية المتسقة مع مصالحها الوطنية
.