المنشور

قرض الصندوق لمصر




فجأة
أصبح قرض صندوق النقد الدولي المزمع تقديمه لمصر مثار جدل ومحل تغطية
واسعة من جانب أجهزة الإعلام المحلية المصرية وبعض أجهزة الإعلام العربية .
واللافت أن تكثيف التغطيات الإخبارية لهذا القرض جاء مواكباً لزيارة وفد
الفنيين أو الخبراء من صندوق النقد إلى القاهرة لمناقشة تفاصيل الجوانب
الإجرائية والفنية/المالية المتصلة بفترة السداد وفترة السماح وسعر الفائدة
ومتطلبات أو اشتراطات تأهيل مصر للحصول على القرض .






راديو
بي .بي .سي . الناطق بالعربية أفرد لموضوع القرض مساحة واسعة من تغطياته
الإخبارية والتحليلية، واستضاف مصريين في حوارات لاستطلاع آرائهم والدلو
بدلوهم في مدى أهمية القرض لمصر . وقبل زيارة الوفد الفني لصندوق النقد
الدولي كانت رئيسة الصندوق كريستين لاغارد قد زارت مصر في شهر أغسطس/آب
الماضي واجتمعت مع الرئيس المصري محمد مرسي ورئيس الوزراء هشام قنديل
وناقشت معهما إجراءات تقديم واعتماد القرض وما اعتبرته رئيسة الصندوق حاجة
مصر العاجلة والطارئة لهذا القرض .






تعود
قصة هذا القرض الى نحو أكثر من عام حين تفاوضت حكومة رئيس الوزراء المصري
السابق كمال الجنزوري مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 2 .3
مليار دولار، والآن وبعد وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم رفعوا قيمة
القرض المطلوب الى 8 .4 مليار دولار بواقع 6 .1 مليار دولار الى 8 .4
مليار دولار بحسب استمارة تجديد الطلب وتصريح وزير المالية المصري ممتاز
السعيد .






الطريف
أن طلب القرض من جانب حكومة الجنزوري لم يستدع وقتها كل هذا الجدل الدائر
اليوم بشأنه، بل ان الكثيرين ومنهم الإخوان المسلمين انتقدوا خطوة
الاستدانة من صندوق النقد ليعودوا اليوم، وقد احتلوا موقع الجنزوري،
ليدافعوا عن أهمية القرض الملحة والعاجلة للاقتصاد المصري، حتى شبهة الربا
أُبعدت عن هذا القرض، بدعوى أن الفائدة المفروضة عليه لا تتجاوز 1% (إنها
في الواقع 1 .1% وفقاً لشروط التفاوض المبدئية بين الطرفين حتى الآن) .






فجأة
صار لهذا القرض مؤيدون ومدافعون كثر يظهرون على أثير الإذاعات والقنوات
التلفزيونية وصفحات الجرائد، ويسوقون في ذلك مبررات يسيئون بها من حيث لا
يدرون إلى طاقات الاقتصاد المصري وقدرته الداخلية على توليد وخلق التراكم
الرأسمالي، ويقللون من شأن إمكانية توقف مصر عن “إدمان” عادة الاستدانة
لتمويل إنفاقها الجاري، غير المكترث للإنفاق الرأسمالي على المشاريع .
وأطلق بعضهم فزاعات تهويلية من قبيل ان احتياطيات البنك المركزي المصري من
النقد الأجنبي لا تكاد تغطي فاتورة واردات مصر لمدة ثلاثة أشهر حتى مع
إضافة الوديعتين السعودية والقطرية (مليار دولار) التي انخفضت الى أدنى
مستوياتها (نحو 13 مليار دولار) بسبب تراجع إيرادات مصر من السياحة ومن
بقية مصادر إيراداتها التقليدية وتراجع الاستثمار الأجنبي، وان مصر، لهذا
السبب بحاجة إلى قرض الصندوق .






إنما
السؤال: هل تستطيع مصر إدارة أزمة عجوزات ماليتها العامة ومديونيتها
(الخارجية خصوصاً) وتصحيح أوضاعها المالية بما يشمل قدرتها على سداد هذا
القرض خلال 5 سنوات؟ . . وهل أخذت بعين اعتبارها انعكاسات ذلك على ارتفاع
مديونيتها الخارجية (8 .33 مليار دولار حاليا + 8 .4 مليار دولار قيمة قرض
الصندوق = 6 .38 مليار دولار) الذي سيجد ترجمته بالضرورة في تصنيف مصر
الائتماني؟






وبعيداً
عن الحماس الذي أظهره البعض في تأييده وتسويغه للحصول على قرض صندوق
النقد، دعونا نتساءل بهدوء وقد جرت العادة أن “تحف أرجل” الدول النامية وهي
تطرق أبواب الصندوق طلباً لقرض إسعافي تعالج به اختلالات موازين مدفوعاتها
فلا تحصل عليه إلا بعد معاناة من اجتماعات ماراثونية مع خبراء الصندوق
وبعد تكبيلها بشروط قاسية معروفة تفاصيلها مسبقاً، لماذا يحدث العكس في
الحالة التي نحن بصددها، حيث تذهب رئيسة الصندوق كريستين لاغارد بنفسها الى
القاهرة لتسويق القرض وبشروط يمكن اعتبارها ميسرة (في الظاهر حتى الآن)
قياسا ب”تقاليد” الصندوق في منح القروض؟






على
هذا التساؤل ربما يكون “التيار الشعبي المصري” الذي يقوده المرشح الرئاسي
السابق حمدين صباحي من خلال البيان الذي نشره التيار على صفحته بموقع
التواصل الاجتماعي “فيس بوك” السبت 3 نوفمبر/تشرين ثاني 2012 والذي دعا فيه
إلى اطلاق حملة ارسال رسالة الكترونية موحدة ضد موقع صندوق النقد الدولي
تعبيرا عن رفض المصريين لقرض الصندوق، معبرا عن رفضه الكامل لأي قروض
يمنحها صندوق النقد الدولي لمصر، لافتاً الى أن “هذا القرض يزيد من فقر مصر
وشروطه تتدخل في سياستنا الاقتصادية، وهذا أمر لا نقبله”، مشيراً إلى وجود
العديد من البدائل الاقتصادية الوطنية للقرض، وأن تاريخ صندوق النقد
الدولي في اقراضنا كانت له نتائج كارثية على اقتصادنا وتشريد عمالنا وافقار
أهالينا، وأن الشعب سيبذل قصارى جهده للضغط على القيادة السياسية للبلاد
لوقف هذا القرض مهما كان الثمن” .






أن
تتعهد مصر بعدم إبرام أى اتفاقات مالية أو الحصول على أى قروض دون موافقة
البنك الدولي، أحقية البنك الدولي في مراجعة ميزانية مصر، مراجعة ميزانية
مصر حتى لا يحدث تضخم، أن تتعهد مصر بتركيز تنميتها على مشروع السد العالي
فقط وتخصيص ثلث دخلها لمدة عشر سنوات لهذا الغرض .






بما
مؤداه تقييد قرارات مصر التنموية السيادية المستقلة . فهناك خشية من أن
يكون تهافت الصندوق على منح القرض لمصر يهدف لتأمين استمرار تقييد السياسة
الاقتصادية المصرية المستقلة . وهذا ما سنتوسع في عرضه في المبحث التالي في
هذا الموضوع البالغ الأهمية والحساسية .