المنشور

ديمقراطية المرة الواحدة



حتى
أكثر الناس تشاؤماً وخشية من إمساك الإخوان المسلمين بمفاصل الدولة
والمجتمع في مصر، لم يكونوا يتوقعون السرعة الفائقة في إنجاز ذلك من قبل
الإخوان، قبل قرارات الرئيس محمد مرسي التي جعل، بموجبها، من شخصه مصدراً
لكل السلطات، فيما وصفه مراقبون بالانقلاب على الشرعية، ورأى فيها آخرون
خطوة غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث، التي لم يبلغ بها الانفراد بالسلطة
حد ما ذهب إليه الإخوان بقرارات مرسي الأخيرة .


وهناك من هوَّن قبل “انقلاب” مرسي من مخاطر وصول الإخوان للسلطة في مصر وفي بلدان عربية أخرى لأنه  يرى
أن أقوى سند قُدم ويُقدم لبعض القوى غير الديمقراطية في بنيتها الفكرية
والسياسية، هو إبقاؤها في خانة المعارضة، وعدم الدفع بها لأن تضع ما تعد به
من برامج على محك الاختبار الفعلي، لأنه من السهل الذهاب بالمعارضة إلى
أقصى الاحتمالات، لكن المعضلة تنشأ حين يصبح المعارضون في السلطة، حيث
يتعين عليهم إثبات أنهم قادرون على تصحيح ما كانوا ينتقدونه .


وكان
هؤلاء المهونون يعولون على الآليات الديمقراطية ذاتها التي عبرها وصل
الأخوان إلى السلطة، حين رأوا أنها جديرة بتصحيح الخيارات الخاطئة، فما
يبدو نجاحاً قد يتحول مع الوقت إلى مأزق، حين تنتظر الناس التي منحت
أصواتها للأخوان تحسناً ملموساً في أوضاعها فلا تجده، ناهيك عن مصادرة
الحريات المدنية، ما يوفر فرصة عدم تجديد الثقة لهم في الانتخابات القادمة
أو التي بعدها، وتمكين الناس أنفسهم من إعادة توجيه المخرجات الانتخابية في
مدار آخر .


هل
يكون هذا ما وعاه الأخوان فأرادوا معاجلة التململ الشعبي والسياسي من
أدائهم بقرارات مرسي، تمهيداً لفرض دستور وفق مقاسهم، ومصادرة كامل الفضاء
السياسي في البلاد، وليثبتوا أن الإسلاميين يؤمنون بديمقراطية المرة
الواحدة  فقط التي تمكنهم من الوصول للسلطة، ليلغوها بعد ذلك؟


يبقى
سؤال: هل آنس الرئيس مرسي في نفسه اطمئناناً قبل إصدار قراراته الأخيرة،
إثر نشر الصحافة الأمريكية تقارير الثناء عليه التي تضمنت إشادة الرئيس
الأمريكي باراك أوباما بنظيره المصري، وبما أظهره من براغماتية، أثناء
التفاوض لإنهاء الحرب الأخيرة بين حماس و”إسرائيل”، الذي قادته كلينتون
بإشراف أوباما نفسه عبر التواصل المباشر بالهاتف مع مرسي؟