المنشور

بين القاهرة وقندهار



في
زمنٍ قريب من ذاك الذي تأسست فيه حركة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز،
نشأت منظمة التضامن بين الشعوب الآسيوية والإفريقية . كان العالم آنذاك غير
العالم اليوم: حركة التحرر الوطني والقومي من الاستعمار والهيمنة الأجنبية
كانت موجة عارمة تجتاح بلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وكانت شعوب
هذه البلدان بحاجة للتآزر والتضامن في ما بينها .


وكان
قادةٌ من الوزن الثقيل برزوا كممثلين لتلك الشعوب التي نهضت بعد قهر طويل،
لذا لم تكن مصادفةً أن القاهرة بالذات، من بين كل العواصم، اختيرت مقراً
لتلك المنظمة، فقد كانت مصر الناصرية بسياستها الخارجية المستقلة، الموجهة
لنصرة الشعوب الطامحة للتحرر، وبسياستها الداخلية الموجهة نحو التنمية
والنهوض بأوضاع الناس، علامة للأهداف التي تبنتها منظمة التضامن في ميثاق
تأسيسها .


لم
يعد العالم كما كان، ولم يعد عالمنا العربي بالذات كذلك، ليس بالقياس لما
كان عليه يومها، وإنما أيضاً بالقياس لما كان عليه منذ عامين وحتى أقل، حيث
عصفت به ولا تزال موجة من التغييرات مازالت في حالٍ من السيولة بحيث يصعب
تحديد وجهتها النهائية .


في
هذا المناخ التأم ممثلو المنظمات الوطنية الأعضاء في المنظمة الأم في
مدينة مراكش المغربية منذ يومين أو ثلاثة، ليبحثوا في أمر هذه المتغيرات،
وفي جعبتهم الكثير من الأسئلة والقليل من الأجوبة وهم يجتهدون لبلورة رؤية
حول الدور الذين يمكن أن تؤديه المنظمة وأعضاؤها، وكان لافتاً أن ترى
الوجوه المخضرمة التي عرفناها وهي في ذروة عطائها، وقد بدت عليها، واضحة،
تجاعيد الزمن وآثاره .


قال
الحاضرون أشياء بعضها متشابه، وبعضها ينطوي على شيء من الاختلاف، ولكنهم
أجمعوا أن ثمة حاجة لخطاب جديد يلائم وضعاً مستجداً غير مسبوق، ومن النقاش
تبين أن ما كان يُعد بديهياً لم يعد كذلك، وأن ثمة أشياء كنا نظن أن الزمن
حسمها إيجابياً، فإذا به، ماكراً، يعيدنا إلى نقطة البدء . 


البيان
الختامي توقف طويلاً، وليس عبثاً، أمام السجال حول هوية الدولة الوطنية
العربية، أتكون مدنية أو دينية، ليعيد تعريف المُعرف، ربما لأن الدولة
ذاتها كبنية راسخة تواجه خطر التفكيك، فثمةَ من يريد أن تُحكم القاهرة أو
تونس أو سواهما، لا بمنهاج الدولة، وإنما بطريقة الإمارة “الإسلامية” في
قندهار .