المنشور

الخليج واستحقاقات المستقبل



عشية
وغداة أي قمة لدول مجلس التعاون الخليجي، بما فيها القمة الحالية المنعقدة
في البحرين، يثار النقاش حول دور ومستقبل إقليمنا الخليجي، والقمة الحالية
تأتي في خضم تطورات عاصفة مازال العالم العربي يشهدها منذ عامين، وهي
تطورات كانت بمنزلة الزلزال الذي أحدث من المتغيرات ما كان يصعب، لا بل
ويستحيل، التنبؤ بحدوثه، قبل اندلاع هذه الأحداث، ولكن السياسة هي هكذا،
تحمل من المفاجآت ما لا يخطر على بال عتاة المحللين والعرّافين .


ما
جرى التعارف على وصفه بالربيع العربي أسس لواقع عربي جديد، ليست واضحةً،
حتى اللحظة، مآلاته اللاحقة، ولكنه، مع ذلك، أنشأ معطيات جديدة ليس بوسع
الإقليم الخليجي أن يكون بمنأى عن تأثيراتها، بل إنه بات معنياً بها، وفي
بعض الحالات شريكاً مهماً في تقرير مجرياتها، وهو أمر لا تخطئه عين المراقب
الحصيف .


بعض
دوائر صنع القرار الغربية كانت حتى حين قريب وهي تحلل آفاق الوضع في
منطقتنا وأفقها المستقبلي، تدعو دول المنطقة إلى ما وصفته ب “التعايش مع
المتغيرات”، وواضح أن هذه الدعوة صيغت بروحية أن دول الخليج المنتجة للنفط
غير قادرة على الدفاع عن نفسها ضد اللاعبين الكبار في المنطقة .


لكن
الركون إلى هذا الاعتقاد لم يعد مجديأً في الواقع العربي والإقليمي
المتغير، فحجم المتغيرات التي جرت هو من الاتساع وقوة التأثير ما يجعل
الإقليم الخليجي مشمولاً بدينامياتها، وهي تحولات ذات طابع مزدوج، وحتى
متناقض، فهي إذ تعبر في بعض أوجهها عن الحاجة المستمرة إلى الإصلاح
والتنمية بمفهومها الشامل، اجتماعياً واقتصاديا وسياسياً، فإنها أيضاً حملت
وتحمل نذر فوضى وعدم استقرار، وتغليب نماذج بالية من أساليب الحكم وإدارة
المجتمعات، على نحو ما نشهده اليوم في البلدان التي طالتها التغييرات، وهي
ليست النماذج التي تنشدها شعوب المنطقة .


دول
المنطقة قطعت أشواطاً في التنمية وفي تحقيق مستوى معيشي جيد لشعوبها، كما
أنها خطت خطوة صحيحة بتشكيلها مجلس التعاون الخليجي كوحدة إقليمية تمتلك
درجة كبيرة من التجانس استطاعت البقاء، ولكن الأعين يجب ألا تحصر مدار
رؤيتها في الراهن، وإنما يجب أن تكون مصوبة نحو المستقبل الذي علينا أن
نستعد لاستحقاقاته .