المنشور

مثل هذه الصفعة أشعلت الربيع العربي

حدثان مهمان لا يمكن لهما إلا أن يضعا بصمة واضحة في حوادث هذا العام البغيض على المستوى المحلي قبل أن يطوي صفحاته دون رجعة. ليس لأنهما فريدان من نوعهما، ولكن ربما لأنهما اختزلا أهم ما دار في هذا العام «النحيس».

أول هذين الحادثين هو زيارة وفد برلمان الإتحاد الأوروبي للبحرين، فيما تتمثل الحادثة الثانية في الصفعة التي وجهها أحد أفراد الأمن لمواطن بريء وهو يحمل طفله الصغير على كتفه دون أي مبرر.

زيارة وفد البرلمان الأوروبي، لم تكن الوحيدة من نوعها فيما يتصل بزيارة وفود المنظمات والمؤسسات الدولية والحقوقية للبحرين، فحسب وزير العدل، قامت هذه المنظمات بأكثر من 80 زيارة للإطلاع على الأوضاع في البحرين، ولكن تكمن أهمية هذه الزيارة بالذات لأنها أولا تمثل ضمير الشعب الأوروبي بأكمله، وموقفه مما يدور من انتهاكات لحقوق الإنسان هنا. كما لا يمكن الطعن في مصداقية الوفد وحرفيته ونزاهته أمام العالم، فهذا الوفد لا تأخذه في الحق لومة لائم على عكس برلماناتنا العربية التي يمكن أن تأخذها في الله لومة أكثر من 20 مليون لائم.

بداية لم تكن هذه الزيارة مرحباً بها من الجانب الرسمي بدليل منع أحد أعضاء الوفد من زيارة البحرين، وهي عضو البرلمان الأوروبي الهولندية ماريتي شاك، عن طريق عدم منحها تأشيرة للزيارة بحجة تقديم الطلب في وقت متأخر، حيث أصدرت سفارة البحرين في بروكسل بياناً تقول فيه أن البرلمان الأوروبي تقدّم في الأسبوع الأول من ديسمبر/ كانون الأول – أي قبل ثلاثة أسابيع من الزيارة- بطلبٍ إضافي لإصدار تأشيرة لزيارة ماريتي شاك للبحرين، وأن السفارة لم تتمكن من إصدار التأشيرة لضيق الوقت! في حين أن مثل هذه التأشيرة يمكن أن تُمنح لمعظم مواطني دول العالم بما فيها الدول الأوروبية خلال خمس دقائق فقط وفي مطار البحرين!

ما يهم في هذا الموضوع نقطتان، الأولى هي ما قاله الوفد في مؤتمره الصحافي في ختام زيارته، وتأكيده على أهمية إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وعدم جواز تعرض الطاقم الطبي للاعتقال والتشهير، والتأكيد على أهمية الحوار الذي يمكن أن يخرج البحرين من أزمتها.

النقطة الثانية المهمة هي ما أورده عضو الوفد ريتشارد هويت على «التويتر»، والتي كشف فيها خبايا اللقاءات التي أجراها الوفد سواء مع الجهات الرسمية أو الجهات الأهلية، والتي لا يمكن البوح بها بشكل رسمي في أي مؤتمر صحافي، ومن بين أهم هذه التغريدات حديثه عن لقائه بالمعتقلين السياسيين، وكيف تحدّثوا له عن تعرضهم للتعذيب، وما اعترف به أحد كبار المسئولين في البحرين من أن هناك سجناء رأي.

الأهم من كل ذلك أن السواد الأعظم من المنظمات الدولية والحقوقية التي زارت البحرين في الفترة الأخيرة كان لها نفس الاستنتاجات ونفس الآراء!

والآن يمكن الحديث عن الحادثة الأخرى، والتي تتصل مباشرة وتدعم ما تتوصل إليه هذه المنظمات من مواقف تجاه الأزمة في البحرين، وهي حادثة صفع أحد رجال الأمن لمواطن على وجهه دون أدنى سبب، سوى أن يثبت رجل الأمن هذا أنه ليس للمواطن البحريني «وخصوصاً من طائفة معينة» أي صفة إنسانية، وأنه يمكن أن يمارس ضده كل أنواع الممارسات الحاطة بكرامة الإنسان، وهذا ما يمكن أن يطلق عليه التطرف في فرض الحل الأمني بدلاً من الحوار.

هذه الحالة لم تكن الأولى من نوعها أيضاً، والتي يتم فيها توثيق ما يمارسه رجال الأمن من عنف غير مبرر، وتوجيه الإهانات للمواطنين دون داعٍ، فلقد شاهدنا كيف يتم الاعتداء بشكل وحشي على مجموعة من الشباب على أحد سطوح المباني في قرية الشاخورة؛ كما شاهدنا كيف يقوم أكثر من تسعة من رجال الشرطة بضرب أحد الشبان وجره في مقبرة بني جمرة؛ وشاهدنا أيضاً كيف يقوم رجال الأمن بكسر أبواب البيوت ودخولها عنوةً في جزيرة سترة؛ وكيف يتم تعذيب أحد الأطفال في قرية الدراز.

لقد شاهدنا الكثير الكثير من مثل هذه الحالات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ما يمكن أن ترصده كاميرات الهاتف النقال أو عدسات آلات التصوير لا يمكن أن يتعدى الـ 1 في المئة مما يجري على أرض الواقع فعلاً من حالات التعدّي على حقوق الإنسان في البحرين. ومع كل ذلك فإن مشهد الغطرسة في فيديو «الصفعة» أوجز كل هذه الانتهاكات.

أحد المغردين كتب على موقعه في التويتر «لقد أحسست بهذه الصفعة على وجهي»، في حين ردّ عليه مغردٌ آخر إنها صفعة على وجه جميع المواطنين، وأن الجميع شعر بها توجّه إلى وجهه.

ألم تكن مثل هذه الصفعة التي وجهتها إحدى منتسبات قوات الأمن في تونس للمواطن البسيط محمد البوعزيزي تمثل جميع الإهانات والتجاوزات التي يتلقاها المواطن العربي على مر سنوات طويلة، لتصبح بعد ذلك عود الثقاب الذي أشعل الربيع العربي؟

جميل المحاري
صحيفة الوسط البحرينية