المنشور

مصر تحتاج دستوراً مصرياً



يوضع
الدستور، أي دستور، في أي دولة من الدول، لتنظيم العلاقة بين الدولة
والمجتمع، بين الحاكم والمحكوم لمدى زمني طويل، فالدستور يوضع لا ليعدل أو
يُغير كل شهر أو كل سنة، ولا حتى كل عدد قليل من السنوات . ولذا فانه إن لم
يكن محل توافق وطني عام في البلد المعني، يتحول إلى عامل شقاق وفرقة
وتأزم، بدل أن يحقق الغاية المرجوة منه، في أن يكون وثيقة مُوحدة للشعب،
وجامعة له على كلمة سواء، يحتكم إليها في تنظيم الخلافات، وفي إدارة
العلاقة بين كافة مكونات المجتمع السياسية والاجتماعية، وربما الإثنية
أيضاً، بعضها بعضاً من جهة، وبينها مجتمعة وبين الدولة من جهة أخرى .


وكلما
ازداد وعي الأفراد في المجتمع واشتدت مطالبتهم بالمشاركة في الحكم وصنع
القرار وتوزيع الثروة ونضجت ممارستهم السياسية وامتدت، ازدادت الحاجة
لدساتير تواكب هذا التطور وتلبي حاجاته .


لذا
فإن دولة مثل مصر عرفت الحياة الدستورية منذ عشرينات القرن العشرين على
الأقل حين صدر فيها دستور عام ،1923 وتدرجت في الممارسة السياسية في الحقب
المختلفة، لا يمكن أن تدار بدستور لا يحظى بالتوافق الوطني العام، ولا ينفع
معها تزييف الإرادة الشعبية، عبر التدليس والتزييف ووسائل الإكراه أو
الترغيب، على نحو ما جرى مع الدستور الجديد الذي أعلن الإخوان المسلمون
الحاكمون في مصر أنه نال موافقة الأغلبية .


ما
مفهوم الأغلبية في حالٍ كهذه؟ ألم يكن هوس موافقة 9 .99% من المشاركين في
الاستفتاءات والانتخابات مهيمناً على أذهان حكام عرب عديدين في حقب ماضية؟
هل أجدت هذه النسب الزائفة المزيفة في حجب الحقيقة أو في حمايتهم من
المصائر المفزعة؟ وعن أي أغلبية يجري الحديث حين تكون القوى الحية المنظمة
في المجتمع والمعبرة عن نبضه الحيوي رافضة لما يراد تمريره من اختطاف
لإرادة المجتمع تحت عباءة “الأغلبية”، المطعون في طرق ووسائل تأمينها؟


مصر
تحتاج إلى دستور مصري، يوحد المصريين ويعبئ طاقاتهم لبناء المستقبل، لا
دستوراً للإخوان المسلمين قسم الاستفتاء عليه المجتمع المصري قسمين، وهو
بعد إعلان إقراره سيزيد هذا الانقسام عمقاً وخطورة، وسيدفع بالبلد إلى نفق
الفوضى وعدم الاستقرار وحتى الانهيار الاقتصادي .


هبّ
المصريون منذ عامين ناشدين للحرية والديمقراطية، بديلأً للديكتاتورية
والاستبداد، ومن أجل أن تنال تعدديتهم السياسية والفكرية والاجتماعية فرص
التعبير عن نفسها، عبر إرساء قواعد التداول السلمي للسلطة، لا ليسلموا مصر
لديكتاتورية الإخوان المسلمين .