المنشور

الديموقراطيةُ لا القمع هي صمام الأمان

يعلم الجميع سواء كانوا مقاطعين أم مشاركين في الانتخابات البرلمانية
الأخيرة، بأن «مجلس الصوت الواحد» لا يمثل غالبية الشعب الكويتي رغم
الفذلكات في طريقة حساب النسب، إذ إن الحكومة ذاتها اعترفت أن نسبة التصويت
أقل من 40 في المئة، هذا مع الملايين التي صرفت للدعاية الرسمية
والإغراءات والضغوط من أجل مشاركة أكبر ورغم استخدام منابر المساجد
والفتاوى لحض الناس على المشاركة.


فهذا المجلس ساقط سياسياً وشعبياً، ولا يقتصر الأمر على نسبة المقاطعة فقط
ولكن أيضاً من خلال ممارسات أعضائه الذين لا يمثلون غالبية الشعب ولا
طموحاته وآماله بكويت ديموقراطية حديثة ومتحضرة، فأحد النواب الذين أُتهموا
بقبض ملايين الدنانير كرشوة أشاد بتعامل وزارة الداخلية مع المتظاهرين بل
طالب بمزيد من القمع الوحشي لشعبه، والأنكى أن «رئيس لجنة حقوق الإنسان
البرلمانية» نفى أن يكون في الكويت سجناء رأي أو معتقلون سياسيون على حد
قوله، مضيفاً أن الكويت دولة الدستور والقانون.


والمهم في الأمر أن رئيس لجنة حقوق الإنسان البرلمانية كان يرد على الناطقة
باسم الخارجية الأميركية «فيكتوريا نولاند»، المعنية برصد دقيق لأوضاع
حقوق الإنسان في العالم، كما أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تنكر ما جاء
في صُحفها العريقة التي أكدت من خلال رصد الحوادث والصور ومقاطع الفيديو
انتهاك حقوق الإنسان في الكويت مثلما أكدته منظمات دولية في هذا الشأن، فهل
هذا شكل من أشكال الانفصال عن الواقع؟ أم يراد منه الضحك على ذقون البسطاء
من الكويتيين؟


اليوم في عالم تسود فيه سلطة التكنولوجيا لا يمكن نكران أو تزوير الحقائق،
إضافة إلى أن المجتمع الكويتي هو من المجتمعات التي لا يُخفى فيها سر، ولا
ينطلي عليها تلميع القمع الحكومي أو اخفاء الحقائق، فعلى أرض الواقع هل
نقول إن شبابنا في المعتقلات في «رحلة سياسية»، أم أن اعتقالهم كان بسبب
السرقة أو الاتجار بالمخدرات؟ يجب احترام عقول الناس في هذا العصر.


أنا أفهم أنه يمكن أن يكون هناك خلاف سياسي وآراء مختلفة في المجتمع حول
قضية ما، ولكن ما لا يمكن «بلعه» هو تبرير القمع وتكميم الأفواه وحرمان
الشعب من التعبير عن رأيه، والمعاملة المهينة والمحطة بكرامة الكويتيين
ونحن ندعي أننا في دولة الدستور والقانون.


لقد سقطت حجة السلطة بأن «الصوت الواحد» هو لضمان العدالة ولقطع الطريق على
التعصب القبلي والطائفي والفئوي، وهو ضمانة للتنمية والاستقرار والانتعاش
الاقتصادي، فلماذا إذن لم يتم الاستقرار بعد الانتخابات؟ ولماذا تتدهور
مكانة الكويت اقتصادياً وكذلك موقعها في مؤشرات مدركات الفساد وفي مستوى
الاختبارات الدولية لمستوى التحصيل العلمي وغيرها؟ لماذا تتدهور الأحول
المعيشية والمؤسساتية في ظل مليارات الدنانير من العائدات؟ وأرجو ألا تكرر
حجتها السمجة وتضع اللوم على الإخوان المسلمين أو على حفنة من الانقلابيين
على الحكم.


عندما ينشر هذا المقال تكون مسيرة «كرامة وطن 6» قد انتهت، وأتمنى من كل
قلبي أن تكون قد انتهت على خير، وأتمنى من الحكومة ألا تزيد من سخط الناس
عليها، فبقمعها وإجراءاتها البوليسية حولت الكثير من الموالين لها إلى
معارضة لنهجها اللا إنساني وغير المتحضر والذي لا يليق إلا بالدول
الديكتاتورية.


لقد شوهت الحكومة صورتها عند الشعوب العربية وغير العربية، وأساءت إلى
تاريخ الكويت الناصع، بل لم تستفد من دروس التاريخ ودروس الأحداث حولها،
ووضعت نفسها في عداء مع شعب وقف معها في الملمات، فمتى تعترف بأن عنادها
أصبح وبالاً عليها وعلى الشعب؟ متى تعترف بأن الدستور والنظام الديموقراطي
هما صمام الأمان الحقيقي للجميع؟