المنشور

بل أنتم بهديتكم تفرحون!

بعد أسبوع من الوقفة التضامنية التي نظّمتها جمعية المنبر التقدمي (الأحد الماضي) مع المفصولين من القطاع العام والخاص لأسباب سياسية انتقامية، خرج خمسة من النواب باقتراح برغبة هزيل مضحك لإنصاف الصحافيين!

في البحرين تعرّض ستة آلاف مواطن بحريني لانتهاك حقوقهم والفصل من أعمالهم وقطع أرزاق عوائلهم، لأسباب سياسية انتقامية، وشكل الصحافيون والإعلاميون أقل من عشرة في المئة (90 شخصاً)، بينما لم يجد النواب الخمسة طاراً يرقصون على قرعه غير طار الصحافيين، ظنّاً منهم أننا سنصفّق لهم!

في تلك الأمسية، طالب المتضامنون بإنهاء معاناة 700 مفصول مازالت تعاني أسرهم من ظروف اقتصادية صعبة بفضل هذه السياسات العقابية. وتحدثت الزميلة عصمت الموسوي عن «فصل 4500 مواطن خلال شهر واحد»، وهو رقمٌ مهولٌ سواءً نظرنا إليه مقارنةً بتعداد السكان، أو الفترة الزمنية، أو بما جرى من أحداثٍ في بلدان الربيع العربي الأخرى.

وفسّرت الموسوي فصل الصحافيين على رغم أن الصحف قطاع خاص، بأن «هذه المؤسسات متماهية منذ تأسيسها مع مؤسسة الحكم، ولم تنطق يوماً إلا بلسانه»، وهي شهادةٌ توثيقيةٌ مهمةٌ من صحافية عملت في إحدى الصحف منذ تأسيسها قبل عشرين عاماً، وخرجت منها برسالةٍ من سطرين.

النواب الذين يريدون التسلّق على جثث زملائنا، أقحموا «جمعية الصحفيين» في الحل، مع أنها جمعية «أقلوية»، وكانت شريكةً في الجرم، في مختلف مراحله ودرجاته، سواءً في دعم عمليات الفصل، أو السكوت عليها، أو الدفاع عنها. بل وأكملت حلقة التواطؤ؛ حين قامت بفصلهم من عضويتها، بدل أن تتبنى قضيتهم وتدافع عن حقوقهم المهدورة.

ما تورطت به الجمعية ظاهرةٌ مخالفةٌ للأعراف النقابية عموماً وأخلاقيات المهنة خصوصاً، وهي لم تحدث إلا في البحرين. وكان الواجب الإنساني يقتضي على أقل تقدير؛ مواساة الصحافيين الذين تعرّضوا للضرب والاعتقال والتعذيب، بدل إصدار بيانات الإدانة المسبقة أو المشاركة في برامج التحريض التليفزيوني ضد زملاء المهنة؛ الذين عملوا معهم لعشرين عاماً. إنها سقطةٌ أخلاقيةٌ لهذه المجموعة لا يمكن ترقيعها ولو بعد قرن.

الخطيئة الأخرى للجمعية التي يطالب النواب الخمسة بإقحامها في حلِّ مشكلة هي أحد أسباب تعقيده؛ أنها فوق تخلِّيها عن مسئوليتها الأخلاقية والأدبية تجاه منتسبيها؛ كانت تتصدى لمن يدافع عنهم أو يتبنى قضيتهم من المنظمات الدولية مثل منظمة «مراسلون بلا حدود» أو «الاتحاد العالمي للصحافة»، حيث تجعجع بأنهم «صحافيون سابقون»، وبالتالي يكتمل مسلسل الإقصاء والإلغاء من الوجود.

النواب الخمسة الذين تحدّثت باسمهم سوسن تقوي، وصفت اقتراحهم باعتباره «تكريساً لاهتمام البرلمانيين بالصحافة باعتبارها السلطة الرابعة في الدول الديمقراطية»، وهو ما نعتبره مغازلةً سمجةً، في وقت مصيبةٍ وعزاء. فلا الصحافيون طلبوا حمايةً من نواب لا يمتلكونها لأنفسهم، ولا هم خوّلوا أحداً المطالبة بألف دينارٍ معونة زواجٍ للعازب منهم. كفّوا عنا ألاعيبكم، فأكثر ما يثقل علينا صنفان: المتسلقون واللزجون.

نقولها بكل وضوح: تأبى كرامتنا كصحافيين، أن يتلاعب كائنٌ مَّن كان بكرامتنا، فهي ليست سلعة للمتاجرة والبيع، والصحافي الذي يعشق مهنته؛ لن يقبل بعرضها في سوق المساومات… بل أنتم بألف ديناركم تفرحون.

قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية