المنشور

خطوات ارتدادية قبل البدء في الحوار

هل كان من المتوقع أن تتخذ السلطة خطوة ارتدادية بعد أن أعلنت دعوتها البدء في حوار وطني للخروج من الأزمة الحالية التي تمر بها البلاد أم كان ذلك تحصيل حاصل، بعد أن تم تفويت العديد من الفرص المتاحة لمصالحة وطنية حقيقية تبنى من جديد على أساس من الثقة المتبادلة بين جميع الأطراف الحقيقية منها والتي تم استحداثها لأغراض معينة.

بداية، يجب التأكيد أن هذه الدعوة للحوار تؤكد أن ما تم الترويج له من نتائج الحوار الوطني السابق والذي تم الترتيب لمخرجاته بشكل مسبق من خلال تركيبته المنتقاة بعناية فائقة لم يكن إلا فقاعة هواء لم يستمر تأثيرها لأكثر من عام واحد، كما أن هذا الحوار يلغي جميع الاتهامات المغرضة للقوى المعارضة بالعمالة وخيانة الوطن، وأن القوى المعارضة لا تمثل إلا عدداً قليلاً من الناس، وأنها منبوذة من المجتمع؛ كما تروج له وسائل الإعلام لدينا، فما الذي يجبر السلطة على التحاور مع مجموعة من الخونة لا هم لهم سوى تشويه سمعة البحرين في المحافل الدولية، قوى لا تمتلك أية قاعدة شعبية تساندها، وإنما هي عصابة من المجرمين الخارجين عن القانون تعتمد في عملها على إرهاب المواطنين، والعمالة الأجنبية للوصول إلى أهدافها.

على الذين يروجون لهذه السخافات أن يسألوا السلطة والجمعيات الموالية كيف قبلت بالحوار مع خونة الوطن الذين يجب أن يكون مكانهم السجن وليس طاولة الحوار، وإن استطاعوا أن يجدوا جواباً مقنعاً من جمعياتهم على هذا السؤال فليعلنوا للشعب البحريني عن ذلك، وإلا فليلوموا جمعياتهم التي قبلت بالتحاور مع الخونة لمجرد أن طلبت السلطة منهم ذلك.

بالعودة لخطوة السلطة الارتدادية حول الإعلان عن الاستمرار في الحوار الوطني في شقه السياسي وما صرحت به وزيرة الدولة لشئون الإعلام والمتحدث الرسمي باسم الحكومة سميرة رجب من أن «الحكومة ستشارك في مؤتمر الحوار السياسي كمنسق لبرامج وفعاليات الحوار، وستتولى تنفيذ التوصيات التي سيتم التوافق عليها ولن تشارك في الحوار كطرف مقابل المعارضة السياسية».

إن مثل هذا الطرح ينبئ عن فشل الحوار حتى قبل البدء فيه، حيث إن هذا الطرح يريد أن يحول المطالب الشعبية إلى خلاف طائفي بين الطائفة الشيعية المعارضة والطائفة السنية الموالية، وذلك ما يجب ألا تقبل به أي قوى وطنية، مثل هذا الطرح يريد أن يبعد السلطة عن دائرة الصراع ويجعلها قوة محايدة، في حين أن الصراع في واقع الأمر هو بين القوى المعارضة والسلطة وليس هناك مكان للقوى الموالية في هذا الصراع إلا في كونها ذراعاً آخر للسلطة لتمرير ما تريده.

ما هو مبرر الدخول في حوار مع من لا يملك القرار حتى في توجه جمعيته ولماذا تتخذ السلطة من الآخرين متحدثاً رسمياً باسمها، إن كانت تريد حواراً وطنياً حقيقياً؟

ما يتم طرحه من خلال هذا المفهوم للحوار هو أن الشعب البحريني بجميع طوائفه ومن خلال من يمثلونه يجب أن يتوافق على مطالب محددة ومن ثم تقوم الحكومة بتنفيذ ما يتم التوافق عليه، وأن الحكومة في هذه الحالة تكون محايدة تماماً، وهي مجرد مراقب، ولكن ما تريد الحكومة إخفاءه هو أنها المتحكم أساساً فيما سيتم التوافق عليه مسبقاً، من خلال اختيارها لمن سيمثل الشعب البحريني في هذا الحوار بحسب مقاييسها.

نعم يمكن الأخذ بما سيفضي إليه حوار التوافق الوطني في نسخته الثانية، بشرط أن يختار الشعب البحريني ممثليه في هذا الحوار عبر انتخابات حقيقية تكون فيها البحرين دائرة واحدة وليس 40 دائرة، بحيث يكون فيها ممثلو فئة معينة هم الأغلبية في حين أن الأغلبية من هذا الشعب لا يصل تمثيله حتى إلى النصف.

جميل المحاري
صحيفة الوسط البحرينية