المنشور

رذيلة الطاعة


للدكتور فؤاد زكريا مقالة مهمة عنوانها مرض عربي اسمه الطاعة. منطلق المقالة هو انه ما من قيمة أو صفة أخلاقية يراد من الإنسان العربي أن يتحلى بها في كافة مراحل عمره وفي جميع الميادين التي يتعامل بها خلال حياته العامة والخاصة كالطاعة.



الطاعة، كما يشرح الدكتور زكريا، هي فضيلة الفضائل التي يرى المجتمع العربي إنها الضمان الأكبر للتماسك والاستقرار في المجتمع، وهي الدعامة الأساسية لاستتباب الهدوء والسلام بين الأفراد، إنها في نظر الثقافة العربية الفضيلة التي تبدو صالحة لكل زمان ومكان. لكن فؤاد زكريا يرى انه إذا كانت هناك أسباب معنوية لتخلفنا وتراجعنا واستسلامنا أمام التحديات فان الطاعة تأتي على رأس هذه الأسباب، بل إنها حسب تعبيره «رذيلتنا الأولى»، وفيها تتبلورسائرعيوبنا ونقصائنا.


ويعطي الكاتب أمثلة عدة عن الطريقة التي يرسخ بها مفهوم الطاعة في أذهاننا منذ أن تلدنا أمهاتنا إلى أن نشب ونكبر ونتزوج وننخرط في الحياة العملية، ففي كل مكان نحن مطالبون بالطاعة، والطاعة وحدها، وأهم الميادين التي ينخرط فيها الإنسان العربي بعد أن يبلغ مرحلة النضج هي ميدان السياسة، وهنا يصبح مبدأ الطاعة هو السائد والمسيطر بلا منازع.


الطاعة كما يرى الكاتب، وباء لا يفلت منه أحد، وإذا أطلق لها العنان أصابت عدواها الجميع، ذلك لأن كل من يفرض الطاعة على من هم دونه يجد نفسه مضطرا إلى طاعة من يعلونه، فالأب الذي يمارس سلطات ديكتاتورية على أبنائه وزوجته، يجد نفسه خاضعا مطيعا في عمله، مقهورا مكبوت الحرية.


وفي جميع الأحوال يظل التسلسل مستمرا، فلا احد يفلت منه من ذل الطاعة، ولا احد يتنازل عن أية فرصة تسنح له كيما يمارس متعة فرض أوامره على غيره، ففي كل مجال من مجالات الحياة يجد الإنسان العربي مبدأ الطاعة مفروض عليه، يدعوه إلى المسايرة والخضوع والاستسلام، ويقضي على إمكانات التفرد والتمرد في شخصيته.


الطاعة تحاصرنا من كل جانب وتلازمنا في جميع مراحل حياتنا. لذا فان فؤاد زكريا يدعو إلى التمرد، فالتمرد هو الآخر قيمة، لأنك حتى تطيع لا تكون ذاتك، بل تمحو فرديتك وتستسلم لغيرك، ملاحظا أن أعظم انجازات الإنسان لم تتحقق إلا على أيدي أولئك الذين رفضوا أن يكونوا مطيعين، فالمصلحون الذين غيروا مجرى التاريخ لم يطيعوا الآراء السائدة عن العالم في عصورهم، والفنانون العظام لم يطيعوا القواعد التقليدية التي كان يسير عليها أسلافهم، وهكذا فان كل شيء عظيم أنجزته البشرية كان مقترنا بقدر من التمرد، ومن الخروج على مبدأ الطاعة.


وليس مطلوبا أن نوضح مراد الكاتب من دعوته هذه، فالتمرد الذي يدعو إليه ليس هو الفوضى ولا العبث، انه ذاك التمرد الذي يعمل العقل وينتج المعرفة ويدفع بمدارك الإنسان نحو الرقي وسعة الأفق، وبالمجتمعات نحو التقدم والتنمية والعدل.