المنشور

محمد جابر الصباح


احتشد صباح أمس في مقبرة المحرق مئات من رفاق ومحبي الراحل الكبير محمد جابر الصباح، من مختلف التوجهات الوطنية، وأعداد كبيرة من المواطنين الذين عرفوا في الراحل مناقبه الكثيرة، في تكريم كبير لذكراه ولما يمثله في ذاكرة العمل الوطني لا في مدينة المحرق وحدها، وإنما على مستوى الوطن كله، وفي أذهان ومشاعر المشيعين أن البحرين، وحركتها الوطنية والتقدمية، فقدت بغياب هذا الرجل واحداً من أبرز وأشجع وجوهها ، الذي كرس عقود حياته الطويلة التي تجاوزت الثمانية في الالتزام بالموقف الوطني والدفاع عه والتضحية في سبيله، ومن خلال محطات حياته الكفاحية الطويلة بوسعنا التعرف على محطات النضال الوطني والدستوري والديمقراطي عامة في البحرين خلال أكثر من نصف قرن.



أتى محمد جابر الصباح إلى العمل الوطني من خلال التشكيلات القومية التي نشأت بعد ضرب حركة هيئة الإتحاد الوطني في خمسينيات القرن العشرين، ومرّ، كما الكثيرين من المناضلين بالتحولات التي شهدتها الحركة القومية في اتجاه اليسار، مما قاده إلى صفوف جبهة التحرير الوطني، ليصبح أحد أبرز وجوه «كتلة الشعب» التي شكلتها الجبهة من عدد من أعضائها ومن شخصيات وطنية وقومية مستقلة لخوض انتخابات المجلس الوطني عام1973، وهي الانتخابات التي أحرزت فيها الكتلة نصراً مبيناً بفوز ثمانية من أعضائها، كان أبوجابر» أحدهم عن مدينة المحرق، بمعية زميله علي ربيعة، وعلا صوته، داخل قبة البرلمان، في الذود عن حقوق الشعب وفي محاربة الفساد، وفي المطالبة بالحريات السياسية والنقابية، وحين حل المجلس أعتقل محمد جار الصباح لعدة سنوات دافعاً ضريبة مواقفه.


لكن الدور الوطني لمحمد جابر الصباح لا ينحصر في هذه المرحلة وحدها، إنما يمتد لما قبلها ولما بعدها أيضاً، فقد كان الراحل أحد القادة الميدانيين لانتفاضة مارس 1965، حيث أبلى فيها بلاء حسناً وقفت الأستاذة فوزية مطر في كتابها عن زوجها أحمد الشملان على بعض تفاصيله.


كما أن محمد جابر هو أحد وجوه النضال الدستوري في مطالع التسعينات من خلال دوره البارز، مع عدد من الشخصيات الوطنية، في لجنتي العريضة النخبوية والشعبية المطالبتين بإعادة الحياة النيابية وتفعيل العمل بالدستور، وبعد الانفراج السياسي، أُر إقرار ميثاق العمل الوطني، أصبح أحد مؤسسي المنبر التقدمي ورئيس أول هيئة استشارية فيه، كما ظل حريصاً على المشاركة في فعاليات «التقدمي» رغم الصعوبات الصحية التي عانى منها خلال السنوات الماضية، وابرز الداعين والعاملين من أجل توحيد صفوف المنبر، ومن أجل وحدة قوى التيار الديمقراطي وتفعيل دورها.


إن الراحل ينتمي بمحطات حياته المختلفة، بكفاحه وعمله يمثل، هو وآخرون جيلاً من المناضلين الذين أرسوا تقاليد الحركة الوطنية في البحرين التي تغلبت على التخندق الطائفي، ونجحت في أن تعبر عن الشعب كاملاً بمختلف فئاته وطوائفه، وأن تصوغ البرامج الموحدة لهذا الشعب في القضايا المشتركة التي لا يختلف عليها البحرينيون الذين لهم مصلحة في تحقيق التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي ونيل حقوق الشعب في العيش الحر الكريم، وتشكل سيرته الحافلة قدوة ومثالاً للأجيال الجديدة التي تستلهم منها العبرة والدرس.


لروح الفقيد السكينة والرحمة ولذكراه الخلود، ولأبنائه وبناته وأفراد عائلته ورفاقه وشعبه العزاء والمواساة.