المنشور

متسلقو السياسة!



حين تُهاجم المعارضة الطائفية غير العقلانية غير
الوطنية أو تُمدح الموالاة فنحن بحاجةٍ من المنتقدين والمادحين إلى تماسك
فكري سياسي لا ردحاً وفتح حسابات خاصة!










حين يحرق مشاغبون مدرسةً فلابد أن تقف ضدهم وتحرض الأهالي لمنعهم، وتخلق ثقافة وطنية مدافعة عن كل حجر وسبورة في هذا البلد!


هذا واجبك، مثل أن ترى موظفاً يكتب في جريدة ويقوم بمدح الوزارة التي
يعملُ فيها! والوزارة تسكت عنه بل وترقيه! فهذا نفاقٌ وتزلفٌ ومحاولة لركوب
المواسير السياسية، وخاصة أن مسئولي الوزارة يتركون الموظف يستمر في
أماديحه بدلاً من أن يفتحوا تحقيقاً معه، ويمنعوه لأنه يجعلهم شبهة أمام
الرأي العام الذي يشم بقوة كلَ الرياح الملوثة!






إذا كان نقد المعارضة
أو محاباة ونفاق الموالاة الطائفية غير الوطنية وغير العقلانية واجباً
نضالياً فيفترضُ أمام الناقد أن يطرح البديل، وأن يبحث عن الأخطاء في
الواقع والوزارات، فليس الخطأ كله في تلك المعارضة وليس النور كله في
الموالاة فهي لا تنمو إلا من وجود المنافقين من أمثاله، والذاتيين
المتضخمين الذين يبتعدون تمام البعد عن أي نقد للوزارات وكشف مشكلات
الجمهور والعمل لرفع معيشته وحقوقه، أما أن تتحول الكتابة إلى هجوم ناري في
جهة وتطبيل من جهة أخرى، فهي عملية غير موضوعية، تزيد المعارضين الطائفيين
قوة، وتغدو مثل هذه الكتابات إعلانات صريحة بالفساد لا محاربة الفساد!






خاصة أنها تتكرر بنسخ كربونية لا يتبدل فيها شيءٌ سوى التواريخ وبعض الجمل
والعناوين، ولكن ثلاثة أرباع المقالة هي نفسها، كل عدة أيام تتم قراءة
النسخة الكربونية إياها، كأن الكاتبَ في حالة شلل عقلي، وموت سريري إعلامي،
فهو بهذا الغباء يغدو مادةً مفيدة لتلك الجهات التي يهاجمها، فهم يأخذون
تلك الكلمات للجمهور البسيط ويعرضونها ويؤدلجونها، ويوسعون الاستنتاجاتَ
حولها، ويخلطون بين الشرفاءِ والمناضلين في الصحافة وبين المنافقين
والباحثين عن مصالحهم الخاصة!






لكن عندما يكون الكاتبُ موضوعياً وينتقدُ
كافةَ الظاهرات السلبية ويبرزُ الظاهرات الإيجابية في أي جانب من الواقع،
ويغدو همه حقيقياً باحثاً دارساً للجوانب المختلفة من المجتمع، يبحث عن
خيوط الضوء في أي مكان، وجوانب التأزم في أي موقع، فهو يغدو مفيداً مضيئاً
للكل، بما فيها قوى المعارضة الطائفية التي سترى نضالاً وطنياً مخلصاً في
أمكنة كثيرة يكسر نظاراتها الرمادية، ودفاعاً عن الناس في كل الطبقات يحبط
شبكاتها العنكبوتية، وإعلاماً ينسج الصلات بين المهمومين والعاملين
والمكافحين في كل الجهات.






أما حين يرقد الكاتب على مخدة النوم
الاجتماعي، وينتقد انتقادات تافهة الوزارة التي يعمل فيها، أو التي يعمل
فيها بعضٌ من له علاقة وثيقة به، ويسهبُ في تعداد منجزات وهمية، ويتفضل
القسمُ الإعلامي بالرد على هذا النقد (الهام) مادحاً الكاتب ومقيماً شهرة
دعائية له بأنه كاتب قدير بدلاً من أن يتجاهله وليس مثلما يتجاهل هذا
القسمُ الإعلامي نفسه الانتقادات الحقيقية من كتاب مهمين فعلاً، فإن هذا
الكاتب داخل الوزارة وخارجها، الكاتب المزودج، فإنه يسد روافد النهر
السياسي التحولي المتعقل بكتلٍ من الحجارة الثقيلة، ولا يختلفُ عن ملقي
الزيت المشتعل في الطرق العادية للسائرين!






بل كان الحق والصواب البحث
عن السلبيات التي تعيق التطور وتقديم الحلول لها، وإذا حدثت ردودٌ فهي
توسعٌ للتحليل والبحث تكونُ فيها بوصلة الكاتب خارج وداخل الوزارة متجهة
للعراقيل المانعة للحراك المفيد.






بماذا يختلف متسلق المواسير الحكومية
عن متسلق الجماعات السياسية الانتهازية غير القادرة على اتخاذ موقف وطني
ديمقراطي علماني شجاع؟ هذا يريد الصعود فوق اكراميات الوزارة وترفيعاتها
ووظائفها غير المعطاة بحق، وذاك يريدُ التسلقَ فوق جراح الشعب وفساد
السياسيين واستغلال انقسام الجماهير لكي يحتلَ موقعاً في مكانة سياسية
تظهرُ له مستقبلاً وهو يقامر بين موجات التحول التي يظنلا أنها تعطيه يوماً
ما كرسياً كما أنه يعمل على أخذ موقع في قلوب الناس البسطاء غير المدركين
لتعقيد السياسة، ولا يعرفون الفروقَ بين الحية والزهرة، وأن المعارضَ هذا
لا يخدمهم بقدر ما هو قوة سلبية لتعطيل وعيهم وبقائهم في الفقر!






الكلمة
التي واجبها تطوير العمل الوطني والتي تدافع عن أجور العاملين تتلوث هي
الأخرى بالفساد السياسي، من داخل الأجهزة الحكومية ومن داخل الجماعات
(النضالية)، ومهمتها شاقة وعسيرة على الجانبين، فتغدو مهمتها تصعيد أجور
ومكافآت وسفرات ومناصب ثللٍ تغلغلتْ في النضال الوطني سابقاً وتسلقتْ
مواسيرَه الطائفية الخربة النخرة، وتشوهت ضمائرها بدلاً من أن تعمل وتتوهج
في مثل هذا الزمن المنفتح لتغيير حال الناس من معيشة متعسرة لمستوى راق
ومتقدم، وحيث العمل الشريف واسع كذلك!