المنشور

حماية البحرين من المهب الاقليمي



تندفع المنطقة
العربية نحو جنون مذهبي عبثي، إن استمر فانه سيأتي على الأخضر واليابس، ولن يكون
فيه منتصر. المنتصر الوحيد فيه هو إسرائيل والقوى الأجنبية الطامعة في الإبقاء على
هيمنتها على المنطقة،وإعادتها عقوداً إلى الوراء، والقضاء على ما تحقق من مكاسب
بفضل تضحيات أجيال من المناضلين وحملة مشاعل الفكر والتنوير والنهضة والوحدة
الوطنية لمجتمعاتنا. 


 فمن ملامح التطورات الجارية في عددٍ من البلدان
العربية انفجار الهويات الفرعية، ومخاطر تشظي ما تعرف بالدولة الوطنية العربية إلى
مجموعات عرقية ومذهبية وطائفية، بعد أن كان مشروع هذه الدولة بعد الاستقلال هو
بناء الدولة التي تدمج في نسيجها الواحد مجموعة هويات تتنازل عن بعض صور تضامنها
لتغليب الانتماء الوطني العام الذي يوحد الكل في بوتقة أو نسيج الوطن الواحد. 


 بعض ما يجري حاليا تعود مسؤوليته إلى هذه الدولة
القطرية ذاتها التي لم تسعَ لإقامة التوازن بين الهويات الفرعية داخلها في اتجاه
التداخل ما بينها على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات، وبلورة هوية وطنية
واحدة تكون بمثابة المظلة التي ينضوي تحتها الجميع، على العكس من ذلك فإن هذه الدولة
كثيراً ما سعت إلى تغليب منظومات من التضامن الفرعي، كبديل للتضامن الكلي أو
الجمعي، مؤسسة على الولاءات. 


ما يجرى في العراق
وسوريا ولبنان أمثلة ساطعة مثلاً، فما أن تضعف السلطة المركزية تحت ضغط الاحتلال
الخارجي واستنفاذ شرعيتها الداخلية بعد أن تآكلت بالتدريج، حتى وجدنا المجتمع يعود
إلى صور التضامن الأولية السابقة لقيام الدولة، ولم يعد الحديث يدور عن إعادة بناء
الوطن الذي يتساوى أبناؤه في كل شيء، وإنما عن توزيع حصص التمثيل الطائفي
والسياسي، وتأمين طموحات كل فئة وطائفة على حدة، حتى لو تعارضت مع الطموحات
الوطنية العامة أو المشتركة . 


 وهذه مسألة على قدر كبير من الخطورة والتعقيد،
فالعديد من البلدان العربية تتسم بتعددية في تركيبها الإثني والمذهبي والطائفي،
ودلت التجربة المريرة للحرب الأهلية الطويلة في لبنان، إن هذه التعددية ما لم
تعالج في اتجاه إثراء الهوية الوطنية المشتركة وبنائها بهدف إقامة النسيج الوطني
الواحد يمكن أن تنقلب إلى مصادر للبغضاء والفرقة والتوتر، وحتى للحرب في أكثر
صورها دموية، خاصة إذا ما تضافرت مع الأمر عوامل وتدخلات ومصالح خارجية لا تريد
بالبلد المعني وأهله الخير. 


 ويمكن أن نتفهم بعض بواعث انبعاث الهويات
الفرعية، خاصة في نطاقها الثقافي وفي نطاق المطالبات السياسية المشروعة، لكن هذه
البواعث ما لم تعالج بحكمة وتبصر وروية وبعد نظر يمكن أن تقود إلى مهالك للأوطان
مجتمعة ولأهل هذه الهويات أنفسهم، خاصة إذا جرى الركون في هذا السياق على وعود أو
تلميحات من الخارج بتبني أو دعم بعض المطالبات. 


ووطننا البحرين هو
بين الدول العربية غير المتجانسة من حيث التركيبة المذهبية للسكان، وهو يدخل اليوم
في نطاق من التوترات النابعة من الداخل والمتأثرة بما يجري في المحيط، وإذا لم يجر
حصر الأزمة في نطاقها، فان مخاطر السيناريوهات الأسوأ تظل خطراً ماثلاً، ومن
الطبيعي أن تتوجه الأنظار نحو الأصوات والقوى الوطنية العاقلة، الحريصة على حماية
البلد من المزالق، والدفع في اتجاه الحل الملبي لشروط بناء الدولة الديمقراطية الضامنة
للعدالة والمستجيبة لروح الحداثة.