المنشور

اطلب بعثة طب واحصل على «خزف» – عقيل ميرزا

عندما تخوف أولياء الأمور من المعايير المضافة إلى المعدلات التراكمية،
لتحديد الاستفادة من البعثات كانوا محقين، فقد جاءت نتائج هذا المخاض
العسير على غير ما تشتهي سفن النخبة من المتفوقين والمتفوقات.

لا
يمكن لأحد ولا حتى لولي الأمر نفسه أن يصف حجم الألم والإحباط لدى ابنه أو
ابنته بعد مسيرة طويلة من التحصيل والنجاح، وبعد قهر المستحيل بإرادة
فولاذية، والتفوق بمعدلات تناطح السحاب، وعندما حان وقت الحصاد، وقطف
الثمار، يجد هذا الطالب كل أبواب الأمل أمامه مؤصدة، وكل آفاق المستقبل في
عينه سوداء متلبدة بالسحب الثقال، فأي ظلام دامس يعيشه أبناؤنا المتفوقون
وهم يجدون أنفسهم أقرب إلى النجوم من رغباتهم الأولى.

جلست يوم أمس
مع اثنين من أولياء الأمور كانت ابنتاهما تزينان لوحة الشرف على مستوى
البحرين، ويمكن لكل من يجلس معهما أن يقرأ ما بداخلهما من ألم منذ الوهلة
الأولى للنظر في قسمات وجهيهما، فقد اقترب الموسم الدراسي، وهم لايزالان لا
يعرفان أين ستحط ابنتاهما رحالهما الدراسية.

على رغم أن الطالبتين
من العشرين الأوائل على مستوى البحرين، إلا أن ذلك لم يشفع لهما في الظفر
بالرغبة الأولى، ولا الثانية ولا الثالثة، ولا حتى السابعة، وكأنهما
تستحقان العقاب الشديد على تفوقهما، وإذا لم تشفع النسب القريبة من المئة
لأصحابها في تلبية الرغبة الأولى للدراسة الجامعية، فمن إذاً هم الطلبة
الذين تنتظرهم رغباتهم الأولى بفارغ الصبر؟! نريد أن نعرف ليس إلا!

الطالبتان
اللتان جلست مع والديهما لا ترغبان في دراسة تخصيب اليورانيوم، أو علوم
الفضاء، فقط تطمحان في تعليق سماعة الأطباء على جيديهما، فقد حلمتا بها
طويلاً، وشاهدتاها مرسومة على المقررات الدراسية وهما تمران على مناهجها
حرفاً حرفاً، ونقطة نقطة، وهمزة همزة، إلا أن ذلك الحلم أصبح اليوم صعب
المنال، بل بصعوبة وضع القدم على صخور المريخ.

بعد اليأس من حصول
واحدة منهما على بعثة طب، الاثنتان الآن لا تحلمان بسوى القبول في جامعة
تناسبهما لدراسة الطب، وذووهما مستعدون لدفع دماء القلب لتحقيق رغبتهما
مهما كانت الكلفة، إلا أنه حتى القبول أصبح مستعصياً، فكليات الطب الخليجية
بدأت منذ هذا العام تطلب شهادة عدم ممانعة من وزارة التربية والتعليم،
والحصول على هذه الشهادة يحتاج معجزة أكبر من معجزة التفوق بمعدل يقترب من
المئة؟!

لا أدري إلى ما سيؤول أمر هاتين الطالبتين، وغيرهما من
الطلبة والطالبات الذين رسموا طموحهم وهم يجدون ويجتهدون، حتى وجدوا هذا
الطموح يتكسر على أعتاب التخرج من الدراسة الثانوية، ولا أدري كيف سيكون
حجم شغف التفوق لدى من سيأتون بعدهم من الطلبة، وهم يرون أسلافهم من الصفوة
والنخبة يطلبون بعثة في الطب فيحصلون على بعثة في فن الخزف!