المنشور

دور الطلائع السياسية الواعية في الكويت – د.فواز فرحان

الجماهير
هي العامل الحاسم في تطوّر التاريخ، وبشكل أدق الطبقات الشعبية هي المحرك
الرئيسي بسبب موقعها الأساسي في عملية الانتاج، وجراء اتساق مصالحها مع
التحرر والتطور… إذ لا يتطور التاريخ إلا إذا استوعبت هذه الجماهير بأن
القواعد والشروط الحالية المفروضة عليها من الطبقة المسيطرة تتعارض مع
مصالحها وتعيق تحررها وتعرقل تطور المجتمع ونهوضه وتقدمه.

ولقد ذكرت في مقالي السابق أن حركة الجماهير تمر بمرحلتين: مرحلة
احتجاجية تتسم بردود الأفعال تجاه ممارسات وأوضاع معينة، ثم مرحلة منظمة
واعية تسعى بالوسائل المتاحة لإحداث الإصلاح والتغيير المنشودين، وتحول
الحركة من احتجاجية إلى منظمة يحتاج إلى جهد مبذول من قبل الطلائع السياسية
الواعية لرفع الوعي السياسي عند الجماهير من خلال وسائل النضال الجماهيري
المختلفة مثل: الانتقاد والتذمر والكتابة والحلقات النقاشية والندوات ورفع
العرائض وتشكيل اللجان الشعبية الضاغطة والاعتصامات والإضرابات المحدودة
والشاملة والمسيرات والمظاهرات والعصيان المدني.

وفي الكويت مر الحراك الشعبي بالمرحلة الاحتجاجية ممثلة بالمسيرات
المنددة بمرسوم الصوت الواحد والاعتصامات المطالبة برحيل رئيس الوزراء
السابق ناصر المحمد وحركة (نبيها خمس) المطالبة بتغيير قانون الانتخاب
وحركة دواوين الإثنين التي حاولت التصدي للإنقلاب الثاني على الدستور في
نهاية ثمانينات القرن العشرين، وغيرها من الحركات المتفرقة منذ استقلال
الكويت في عام ١٩٦١، ويجب أن نقر أن هذه المرحلة الاحتجاجية للحراك الشعبي
رفعت سقف المطالب الشعبية وساهمت في الحفاظ على الهامش الديمقراطي الذي
منحنا إياه (دستور الحد الأدنى) الحالي، وكذلك يجب أن نؤكد بأن خطابات بعض
نواب الأمة السابقين رفعت سقف الخطاب السياسي في الكويت إلى مستوى لم يصل
له أكثر رموز العمل الوطني شهرةً وصيتاً، وأن بعض مقالات الكتاب ونضالات
الشباب ساهمت برفع الوعي السياسي عند الجماهير إلى درجة غير مسبوقة، ولكن
يجب أن نعترف أيضاً بأن هذا الحراك الاحتجاجي -بسبب طبيعته- به من المثالب
والعيوب والممارسات الخاطئة ما يكفي ومع ذلك لا نستطيع إلغاء أهميته
التاريخية بسبب وجودها، وقد تطرقت (رؤية التيار التقدمي الكويتي للإصلاح
الديمقراطي) لهذه العيوب بالتفصيل ليس للبحث عنها أو لجلد الذات ولكن
لتأكيد أهمية انتقال الحراك إلى مرحلته الثانية ذات الطبيعة المنظّمة
الحاملة لمشروع سياسي واضح.

من خلال الحراك الشعبي الاحتجاجي تلمّست الجماهير الشعبية في الكويت
مكمن الخلل في وضعنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمتمثل في وجود نظام
دستوري قاصر ديمقراطياً واستخدام السلطة لهذا القصور لعرقلة التطور
الديمقراطي ولتنفيذ مشروعها الخاص بالتحالف مع القوى البرجوازية الكبيرة
للاستحواذ على خيرات بلدنا وثروات شعبنا، وبات مستحقاً أن تتبنى الطلائع
السياسية الواعية مشاريعاً نهضوية واضحة لانتشال البلد مما هي فيه من خلال
رفع الوعي السياسي للجماهير، وعندما أقول واعية فأنا أقصد وعيها تجاه
الصراع الرئيسي في البلد وتجاه مكمن الخلل.

ومن هنا فعلى الطلائع السياسية الواعية في الكويت أن تتبنى مشروعاً يسعى
لاستكمال النظام البرلماني الديمقراطي من خلال المطالبة بإصلاحات سياسية
عميقة تتمثل في: إشهار الأحزاب السياسية على أساس ديمقراطي وطني، وإقرار
نظام انتخابي ديمقراطي عادل قائم على التمثيل النسبي للقوائم الانتخابية
ضمن دوائر كبيرة، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، وإطلاق سراح المعتقلين
وسنّ قانون للعفو العام عن قضايا الرأي المعروضة أمام جهات التحقيق
والمحاكم حالياً، وذلك من دون أي شروط أو تعهدات، وكذلك من خلال مطالبة
بإصلاح دستوري عميق يؤدي إلى دستور ديمقراطي من خلال: تنقيح المادة 80 من
الدستور لقصر عضوية مجلس الأمة على النواب المنتخبين، وتنقيح المادة 98
بحيث تتقدم كل وزارة فور تشكيلها ببرنامجها إلى مجلس الأمة لتنال الثقة
النيابية على أساسه، وتنقيح المادتين 101 و102 بحيث يمكن طرح الثقة في
الوزراء ورئيس مجلس الوزراء من دون الحاجة إلى المرور بآلية الاستجواب،
وتنقيح المادة 116 من الدستور، أو تعديل اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، بما
يؤدي إلى تأكيد صحة انعقاد جلسات مجلس الأمة من دون اشتراط حضور الحكومة.

من خلال تبني الطلائع السياسية الواعية في الكويت لمشروع سياسي مشابه أو
قريب مما ذكرته تستطيع التحرك لرفع وعي الجماهير سياسياً وتشكيل رأي عام
مؤيد لهذا المشروع وبالتالي تغيير موازين القوى في البلد لصالح التطور
الديمقراطي.

——————————
*عضو التيار التقدمي.