المنشور

التلاعب بمؤشرات الأداء




في
أعقاب زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الصين في أغسطس/ آب من
العام الماضي لطمأنة الصينيين على سلامة استثماراتهم في الولايات المتحدة
في ضوء جبل مديونيتها (تعادل تقريباً إجمالي ناتجها المحلي (أكثر من 16
تريليون دولار)، نشر وانج تيالونغ عضو خزان الأفكار الصيني

Think Tank
“مركز التبادل الاقتصادي الدولي”  
Center for International Economic Exchange 
مقالاً
أكد فيه أن الولايات المتحدة تتجه على ما يبدو لمصير الإعسار المالي أي
الفشل في سداد ديونها، وأنها تقوم بتزوير أرقام مؤشرات قياس أدائها
الاقتصادي، وأن السلطات الأمريكية لا تملك على المدى القصير ما يكفي من
الطاقات الاقتصادية (المالية) لخفض عجوزاتها لأنها تفتقد إلى النظام
السياسي الذي يمكن أن يضمن عدم وقوعها في حالة العجز عن السداد، وأن السبيل
الوحيد المتاح أمام الصين وروسيا وألمانيا هو القول كفى لذاك النموذج
الاقتصادي (الأمريكي)، والاستعاضة عن الدولار بعملة مسنودة بالذهب وأصول
أخرى .




وكنا
قد عرضنا في المقال السابق “رقم البطالة الحقيقي” النسب المخيفة للبطالة
في الدول الأوروبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهي أرقام تتحدث عن
نفسها، علماً بأنها أرقام رسمية حتى وإن شابها بعض التدليس . . ومع ذلك فإن
هذه الأرقام المخيفة، لا تحظى بالاهتمام والمساءلة، الاختصاصية والإعلامية
على حد سواء . وذلك ناجم عن كونها نتيجة لسياسة متبعة بصورة ممنهجة على
امتداد الإدارات الأمريكية المتعاقبة . والأمر لا يقتصر على معدل البطالة
وإنما يشمل بقية أبرز مؤشرات قياس الأداء الكلي .




خلال
إدارة الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون، على سبيل المثال، اخترع رئيس مجلس
الاحتياطي الفدرالي الأمريكي آرثر بيرنز مفهوماً جديداً للتضخم أسماه “لب
التضخم” 

Core inflation
،
وهي تخريجة أراد بواسطتها استبعاد بعض السلع من حساب التضخم، وهي الطعام
والطاقة، بدعوى تقلبات أسعار هذه السلع صعوداً وهبوطاً، فلابد والحال هذه
من استبعادها، مع أن الإنفاق على الطعام والطاقة يستحوذ على جزء مهم وكبير
من النفقات العائلية . وعلى ذلك فإن هذه المقاربة المحاسبية الذكية للتضخم
التي اعتمدت منذ عام ،1982 لا تلتفت إلى النسب العالية لارتفاع أسعار
الجازولين التي قفزت عالياً ولا أسعار المواد الغذائية المستوردة .




وفي
عهد الرئيس الراحل رونالد ريغان قرر طاقمه الاستشاري للشؤون الاقتصادية
إدراج أفراد القوات المسلحة في حساب إجمالي قوة العمل بهدف خفض معدل
البطالة حسابياً .




بدوره
قرر الرئيس الأسبق جورج هيربرت بوش (جورج بوش الأب) ومجلس مستشاريه
الاقتصاديين “إعادة النظرة الحسابية” لإحصاءات التضخم بهدف إعطاء وزن أفضل
لقطاعات الخدمات والتجزئة، وذلك بهدف خفض معدل التضخم الرسمي .




ولم
يتأخر الديمقراطيون عن المشاركة في “حملة العصف الذهني” التي تتفتق عنها
أفكار “ذكية” للتحايل على مؤشرات قياس الأداء . فاخترعت إدارة الرئيس
الأسبق بيل كلينتون، التي كانت جد نشطة على هذا الصعيد، ما أسمته بالمنتج
(بفتح التاء) البديل 

Product Substitution
، و”التعديل المبني على أساس تحسين نوعية السلعة” 
Hedonic Quality Adjustment
، والوزن الهندسي
Geometric Weighting
في “المنتج البديل” يمكن للمستهلك أن يستعيض، على سبيل المثال، الهامبيرجر بالستيك إذا ما ارتفعت الكلفة – وبالتالي سعر   الستيك،
بما يخرج “الستيك” من السلة الغذائية لقياس مؤشر المستهلك . وفي “التعديل
المبني على أساس تحسن نوعية السلعة” فإن أي تحسين في نوعية السلع والخدمات
لابد أن يُترجم خفضاً فاعلاً في تكاليفها . وفي “الوزن الهندسي” يتم
استبعاد السلع التي ترتفع تكاليفها باستمرار بما يجعلها بعيداً عن متناول
ملايين الناس . والهدف من هذا كله هو خفض المعدل الفعلي للتضخم .




وإلى
ما تقدم يضاف أيضاً النمو الانفجاري لعدد نزلاء السجون الأمريكية، حيث قفز
عددهم على مدى الثلاثين سنة الأخيرة ووصل في عام 2011 إلى 3 .2 مليون نزيل
مقارنة بإجمالي قوة العمل الأمريكية البالغ 155 مليوناً .




ظلت
الرأسمالية الأمريكية تفاخر بتميزها بدقة بياناتها وإحصاءاتها القياسية
لمؤشرات الأداء الاقتصادي العام للبلاد . وكانت تسخر إبان الحرب الباردة من
التدليس والتلاعب الذي كان يشوب البيانات والإحصاءات الاقتصادية
السوفييتية إبان عهد الرئيس السوفييتي الراحل جوزيف ستالين . أما اليوم فقد
انقلبت الصورة، إذ أصحبت البيانات والإحصاءات الاقتصادية الأمريكية مشوبة
بالعيب والفساد . وهي تعكس بحسب بعض المستشارين الذين عملوا في المجالس
الاقتصادية الاستشارية للإدارات الأمريكية المتعاقبة، الأزمة المتنامية
للنموذج الاقتصادي الأمريكي، والتي صارت تستشعرها الدوائر الرسمية وشبه
الرسمية .