المنشور

علي دويغر “رحيل قائد تاريخي من زمن المجد”



لماذا
نكتب عن سيرة المناضلين الأوائل من قادة الحركة الوطنية البحرينية عندما يرحلوا عنا،
وهم الذين لم يكتب عن البعض منهم وبشكل واسع في حياتهم وبالأخص ( المذكرات التاريخية
)، لكي يتعرف هذا الجيل على سيرتهم النضالية ضد الاستعمار البريطاني والسلطة الرجعية،
ومعاناتهم في السجون والمنافي والحياة العامة، نكتب لنوثق  ونؤرخ لتاريخ وطني مشرف ، سجل في التاريخ الحديث
للبحرين والحركة الوطنية بحروف من ذهب في صفحات ناصعة البياض على هذه الأرض المعطاء،
ففي السادس من سبتمبر 2013م ، رحل واحد من هؤلاء المناضلين الشجعان، الرفيق القائد
علي عبدالله دويغر، أحد مؤسسي جبهة التحرير الوطني البحرانية ، بعد معاناة مع المرض



أولاً: الولادة في
منطقة رأس الرمان ،البدايات الأولى والوعي السياسي 





هذا المناضل  عاش يتيم الأب منذ نعومة طفولته فلم يتجاوز الخامسة
من العمر حين مات والده عنه وعن شقيقتيه، قامت بتربيته والدته التي عانت كثيراً وبالأخص
في فترات إعتقاله ونفيه، وكذلك قام برعايته عمه الشخصية البحرينية المعروفة الأستاذ
محمد دويغر المعروف بميوله القومية ، وهو أحد مؤسسي نادي العروبة، وأول مذيع في إذاعة
البحرين ( هنا البحرين )، ففي بداية خمسينات القرن الماضي ، وتحديداً بعد قيام ثورة
الضباط الأحرار في 23 يوليو 1952 في مصر بقيادة جمال عبدالناصر، والتي كان لها تأثير
كبير على الشعوب العربية ، وقبلها كان الانتصار الكبير الذي حققه الاتحاد السوفياتي
على المانيا النازية في الحرب العالمية الثانية في 1945، وقيام دول المنظومة الاشتراكية،
مما ساعد على انتشار الأفكار التقدمية والماركسية في الوطن العربي، وتوسع نفوذ الاحزاب
اليسارية والعمالية في العديد من بلدان العالم، بما فيها البلدان العربية. 


 وقد ألهمت تلك الانتصارات والثورات ، الشعوب الرازحة
تحت نير الاستعمار، وشكلت لها عناصر دعم وتشجيع على النضال والثورة ضد الاستعمار والرجعية
والدكتاتورية ، وبالفعل تحققت العديد من الانتصارات لبعض  البلدان والشعوب  ونالت استقلالها الوطني في اسيا وأفريقيا وأمريكا
اللاتينية، ومن ضمن تلك البلدان كانت الجارة ايران، حيث وصل إلى رئاسة الحكومة
الدكتور محمد مصدق  بعد أن نال ثقة الشعب الإيراني
في الانتخابات وشكل الحكومة الوطنية في بداية الخمسينيات من القرن  الماضي ، وبرز اليسار في ايران كقوى سياسية مؤثرة
في الحياة السياسية ، كما برزت  أحزاب اليسار
في أغلب البلدان العربية ، وتأثر جيل من الشباب في بلادنا بتلك التحولات والتغيرات
الثورية. 


المناضل علي دويغر
كان واحداً من هؤلاء الشباب المثقفين الثوريين الذين إتخدوا من الفكر الماركسي ملهماً
لنضالهم الوطني ضد الاستعمار والرجعية ، كان ذلك أبان المعارك الوطنية التي كانت تقودها
هيئة الاتحاد الوطني في اعوام 1954/1956 ، قبل أن يجهز عليها من قبل المستعمرين البريطانيين
وأعوانهم المحليين .  



 ثانيا: تأسيس جبهة التحرير الوطني البحرانية  والدراسة في العراق 




انبثقت جبهة التحرير
الوطني البحرانية، في وسط ذلك الحراك  الوطني
الجماهيري ، في 15 فبراير 1955، هذا الحزب الذي سوف يكون له دور بارزا بعد تصفية هيئة
الاتحاد الوطني واعتقال ونفي قادتها في 1956، في هذا العام سافر رفيقنا الراحل علي
دويغر إلى العراق  للدراسة الجامعية في العراق
اثناء الحكم الملكي ،وهناك ينخرط في الاتحاد العام للطلبة في العراق وينشط في صفوف
حركة الشبيبة والطلبة العراقية ، فيزداد وعياً فكرياً  وثقافة ونشاط اًمن خلال التقائه بالعديد من المثقفين
والمفكرين العراقيين. 


وحين انتصرت
ثورة 14 تموز 1958 بقيادة الزعيم الوطني العراقي الراحل عبدالكريم قاسم ، كان رأي
الرفيق علي بأن تتعمق الديمقراطية بشكل أوسع ، وأن يسمح للأحزاب  السياسية في 
العراق بأن تمارس نشاطها السياسي بحرية تامة وأن تشارك في الانتخابات النيابية
، وكان رأيه أن العسكر أنجزوا المهمة وهو القيام بالثورة ، وبات عليهم العودة إلى الثكنات
العسكرية لا البقاء في السلطة، وبسبب هذا الموقف أعتقل لفترة وطرد من العراق لنشاطه
السياسي وآراءه الشجاعة. 



ثالثاً: الكونفرس
الأول لجبهة التحرير الوطني البحرانية  





بعدها تأتي المرحلة الثانية في حياته السياسية
وبالأخص بعد (الكونفرس الأول ) للجبهة في عام 1958، كانت المسئولية على عاتقه
وعاتق رفاقه في الجبهة كبيرة ، فبالإضافة  لكتابة
بمسودة برنامج الجبهة الذي صدر في عام 1962، شارك الرفيق علي في العديد من مهرجانات
ومؤتمرات الشبيبة والطلبة في العالم ، وفي المؤتمرات والاجتماعات الخاصة بمنظمات التضامن
والسلم القارية والعالمية ، حيث نسج فيها علاقات واسعة بين جبهة التحرير الوطني البحرانية  والأحزاب الشيوعية والعمالية ومنظمات الشبيبة والطلبة 

أتذكر جيداً انه
عندما زار البحرين في بداية  الانفراج السياسي
في 2002 المفكر الماركسي اللبناني
كريم مروة والقيادي السابق في الحزب الشيوعي اللبناني  سأل عن  الرفيق
علي الذي كان قد التقى به في النشاطات الأممية، وعند اللقاء به أخذه بالأحضان  لأنه لم يلتقي به منذ عقود من السنين ، 


 رابعاً: علي دويغر والتعليم




أولى الرفيق الراحل علي  إهتماما 
خاصا بالتعليم ، وكان يرى انه بالإضافة إلى أهمية تنظيم الكادحين والفقراء من
أبناء شعبنا من العمال والمثقفين في صفوف الجبهة ، فانه من الضروري تعليمهم،  وكان يقول: (لكي تنتصر على عدوك الطبقي ، لابد أن
يكون المناضلين متعلمين وواعيين) ، وهي نفسها التي أولتها قيادة جبهة التحرير الوطني
البحرانية كل الاهتمام، وباسم الجبهة تباحث مع المسئولين في جامعة الصداقة في موسكو
في عام 1962 من أجل الحصول على بعثات دراسية للطلبة البحرينيين، بالفعل تحقق ذلك،
ووصلت أول بعثة جامعية لطلبة البحرين للدراسة في الجامعة في عام 1962،  لتتوالى بعدها البعثات التي شملت المئات من
أبناء وبنات شعبنا، في مختلف التخصصات العلمية. 



خامساً:
برنامج جبهة التحرير الوطني البحرانية في عام 1962




في عام 1962 صدر
برنامج “الحرية والاستقلال الوطني والديمقراطية والتقدم الاجتماعي والسلم”
لجبهة التحرير الوطني البحرانية، التي وضع  الراحل مسودته في البداية، قبل أن تناقشه وتقره
منظمات الجبهة وهيئاتها القيادية، وتم توزيعه على جماهير شعبنا في تلك المرحلة النضالية
الهامة ضد الاستعمار والرجعية .



سادساً: الاعتقال
في عام 1964، وفي انتفاضة مارس المجيدة عام 1965





أعتقل الرفيق علي دويغر في البحرين أول مرة في
عام 1964، وقضى في المعتقل ثمانية أشهر في سجن جزيرة “جده”، حيث التقى ببعض
من قادة هيئة الاتحاد الوطني ، بينهم  ابراهيم
فخرو وإبراهيم موسى اللذان كانا يقضيان الفترة المتبقية من حكمهما بالسجن عشر سنوات
، تعلم منهما الصبر والثبات على الموقف ، كما حول رفيقنا الفترة الثانية من اعتقاله
اثناء انتفاضة مارس المجيدة، وهي فترة امتدت من عام 1965 حتى عام 1967 إلى مرحلة إبداع
في الرسم التشكيلي، ولديه العديد من الرسومات واللوحات الفنية المبدعة. 


 في السنوات الماضية قبل أن يشتد عليه المرض كان يحلم
بإقامة معرض خاص ليعرض فيها تلك اللوحات الفتية التي تحكي عن تاريخ القديم للبحرين
، بالأخص عن البحر والسفن الشراعية التي كانت تخرج للغوص ، مستعيداً ذاكرة طفولته
وصباه في مسقط رأسه برأس الرمان، نظراً لقرب بيت العائلة من البحر .



سابعاً: الاعتقال
والنفي في عام 1968







 في الضربة القوية التي وجهت لجبهة التحرير الوطني البحرانية في عام
1968، باعتقال عدد كبير من أبرز قادتها وكوادرها  وأعضاءها 
مكث الرفيق الراحل علي فترة قليلة في السجن ، وبعدها نفي إلى الكويت، حيث عمل
فترة هناك في جريدة الهدف الكويتية وبعدها تم فصله منها بسبب مقالاته الناقدة للعديد
من القضايا. 



ثامناً: السفر إلى
السويد ومرحلة إستقلال البحرين في عام 1971







سافر إلى السويد
في عام 1968، ليواصل دراساته العليا، وهناك يلتقي بشريكة حياته الزوجة المثالية التي
وقفت إلى جانبه في الظروف الصعبة التي عاشها لاحقاً، السيدة كرستينا ( أم فريد ، سامي
، ليث) .هناك كتب العديد من الدراسات والبحوث العملية القيمة عن البحرين والخليج والعراق،
وبعد أن نالت البحرين استقلالها في 14 أغسطس 1971 عاد إلى البحرين. 


عن تلك المرحلة يقول
رفيقنا الراحل: “كان علينا أن نفكر بطريقة أخرى بعد خروج المستعمر البريطاني من
أجل  ان نحقق الديمقراطية  والمساواة والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل
للثروة والمشاركة في القرار السياسي ، وأن نمتلك أدوات التغير ( المنظمات الجماهيرية
والنقابات والمشاركة في المجالس النيابية المنتخبة ) . 



 تاسعاً: المجلس الوطني 1973 و فوز كتلة الشعب في
الإنتخابات 





انطلاقا من هذا الوعي
السياسي ، عمل رفيقنا وبقرار من الحزب على صياغة برنامج كتلة الشعب مع نخبة من الشخصيات
الوطنية المشاركة في الكتلة من أجل  خوض معركة
الانتخابات النيابية ببرنامج وأهداف وطنية 
واضحة ، ولكن المرتزق أيان هندرسون وعصابته والسلطة الرجعية، وإدراكاً
لمحورية دور الفقيد وخشية فوزه في الانتخابات الوشيكة، إتخدت قرارها بتسفيره خارج
البحرين، وحرمانه من المشاركة والترشيح . 


 كانت سعادة رفيقنا الراحل كبيرة عندما فاز رفاقه
في كتلة الشعب بثمانية مقاعد من أصل 12  مرشح
خاضوا الانتخابات للمجلس الوطني، وعندما عاد إلى الوطن من المنفى مع عدد من قادة وكوادر
جبهة التحرير الوطني البحرانية واصل عمله في التنظيم ، ولكن المجلس الوطني لم يستمر
طويلاً ، حيث أقدمت السلطات على حله في 26 أغسطس 1975، فسادت أجواء من القمع والبطش
البوليسي ضد مناضلي الحركة الوطنية البحرينية في ظل قانون أمن الدولة الذي جثم على
رقاب أبناء شعبنا ربع قرن. 


 ونظراً لعدم السماح له في العمل القطاع العام أو
الخاص ، ومن أجل تدبير الشؤون المعيشية له ولعائلته  فتح له مشروعاً خاصاً، ولكن أحلامه تحطمت عندما تم
إفشال مشروعه الخاص من قبل متنفذين في السلطة ، فعاش ظروفاً قاسية ، وزاد الوضع سوءاً،
حين ابتلى بالأمراض وظل طوال السنوات الاخيرة من حياته يعاني منها ، حتى سفره في مارس
2012 ، للالتحاق بعائلته في السويد، وليكون تحت رعاية زوجته وأولاده الثلاثة. 


اشتد عليه المرض
وساءت حالته الصحية في الأشهر الاخيرة ، حتى وفاته في السادس من سبتمبر 2013 ، لتنتهي
حياة مليئة بالكفاح والصمود والجدل والصبر والثبات على الموقف. 


 المجد والخلود لروح رفيقنا الراحل الكبير ولكل رفاقنا  الذين رحلوا عنا ولكل شهداء شعبنا الأبرار.