المنشور

الخليج المُتحول



ثمة فارق مهم بين التحولات البطيئة، التي تتراكم طبقة فوق طبقة، فتجعل الانتقالات سلسة أو مفهومة، وبين القفزة الطارئة التي وجدنا أنفسنا، في مجتمعات الخليج، في خضم نتائجها العاصفة سلوكياً وقيمياً واجتماعياً، فأُصبنا بما يشبه الصدمة .


ليس في هذا التشبيه أي تعسف، فصورة المدينة الخليجية انقلبت رأساً على عقب، ولم يبق من الرموز التي تذكّر بالماضي سوى القليل أو النادر، فالأجيال الجديدة تعيش، بالمعنى الحرفي للكلمة، في مدنٍ جديدة لا تشبه في شيء تلك المدن، التي عرفها آباؤهم وأجدادهم .


هنا، إذاً، يبرز التفاوت العميق بين الأجيال الجديدة والأجيال الأسبق، هذا التفاوت الذي يكاد يشبه القطيعة النفسية والسلوكية والثقافية، ويبدو أننا سنحتاج إلى وقتٍ قد يطول، حتى نصل إلى حالة من التوازن .


كانت صورة المجتمع الخليجي التقليدية أكثر طبيعية وعفوية وتلقائية، رغم شظف العيش وصعوبته . وكان الإنسان الكادح: بحاراً كان أو حرفياً أو مُزارعاً، متساوقاً مع بيئته ومفرداتها .


فأهل البحر كانوا على معرفة بطوالع النجوم وأماكنها ومواقيت ظهورها، وبمواسم الرياح وتواريخها على وجه الدقة، وأهل الزراعة أدرى بمواعيد المطر ومواسم الزرع وأسماء الرياح ومواقيت هبوبها، وكان المعماري المحلي ابن بيئته في اختياره للمواد المناسبة لهذه البيئة في تشييد البيوت والمعالم المعمارية المختلفة، وما ينطبق على هؤلاء ينطبق على من ندعوهم بالحرفيين من نجارين وحدادين و”قلافين” وسواهم .


ليس من العدل بطبيعة الحال أن نقلل أو ننظر بازدراء لحجم التحولات التي شهدتها مجتمعات الخليج بعد تدفق الثروات، خاصةً أنه جرى تشييد بنيةٍ تحتيةٍ متطورة قائمة على أحدث المعايير والوسائل وتضاهي مثيلاتها في أكثر البلدان تقدماً .


لكن الهوة بين هذه النهضة وبين التحول الاجتماعي – الثقافي التراكمي ما زالت شاسعة، كأن ذلك ضريبة التحول المفاجئ الذي لم يكن في الحسبان، نتاج أن المجتمعات الخليجية وجدت نفسها في أتون مركب عالمي من العلاقات وأنساق القيم والثقافة التي تفرض نفسها فرضاً، وكان أن أثرت فينا بهذا الشكل الواضح، لأننا في فترة تحول وحراك في كل المجالات، وما لم يجرِ الالتفات الجدي إلى النتائج المتناقضة لذلك، فإن الرموز والتعابير الثقافية المحلية مهددة .