المنشور

بعد عشرين سنة


في حوار مهم أجراه، منذ سنوات، الكاتب المغربي عبدالاله بلقزيز مع الباحث المصري السيد ياسين، ونشر في أحد أعداد مجلة: «المستقبل العربي»، دعا الأخير إلى إحلال مفهوم الرؤية الاستراتيجية في أدبيات التنمية الحديثة محل فكرة المشروع الحضاري، وعنى بذلك استشراف صورة المجتمع الذي نريده بعد عشرين سنة من اليوم.

برأيه أن سقف الاستشراف لا ينبغي أن يزيد عن عشرين سنة لاستحالة التنبؤ واليقين لأكثر من ذلك. ومثل هذه الرؤية لا ينبغي أن تنفرد بوضعها النخب السياسية الحاكمة، لأنها ستعبر شاءت أو لم تشأ عن مصالحها الطبقية وعن وجودها السياسي، كما لا ينبغي أن تنفرد بوضعها مجموعة من المفكرين الذين من الممكن أن ينجرفوا إلى عالم مثالي طوباوي يقوم على الغيبيات ولا يقوم على الوقائع.

مثل هذه الرؤية يجب أن تتمثل في ما أسميه العملية المجتمعية، تشارك فيها النخب السياسية الحاكمة ويشارك فيها المفكرون والمثقفون ورجال الأعمال وطبقات الشعب العادية من خلال مؤسسات المجتمع المدني.

ورغم أن الكثير من الندوات أقيمت والكثير من التقارير الإستراتيجية صدرت وتصدر، والكثير من الرؤى المستقبلية صيغت وتصاغ لكن الكثير من هذه الفعاليات والأنشطة والتقارير تفتقد للإلمام المتغيرات الدولية واستيعابها. هناك عالم يتغير بسرعة، فيما حركتنا مازالت بطيئة وحتى منعدمة.

وفي الغالب فإن صانع القرار لا يأخذ من التوصيات والاقتراحات إلا تلك التي تتناسب وهواه، أما تلك التي تقترح عليه خلاف ما يريد فإنه يتجاهلها، لذا فإنه لا يريد أن يرى أبعد مما هو فيه الآن، فيما دولة مهمة صاعدة مثل الصين لديها دراسات نحو 30 مركزاً استراتيجياً تشكل نظرية متكاملة لعالمٍ متعدد الأقطاب وأدوار الدول الكبرى والدول المتوسطة والدول الصغرى فيه، بما في ذلك دور دول مثل مصر والبرازيل والهند. فيما لا يعرف العرب حتى الآن أي مستقبل يريدون، وأي موقع لهم في مستقبل العالم.

وبإمكان دول الخليج أن تستفيد من التجارب المؤلمة والصعبة في بلدان عربية أخرى، فتؤمن لنفسها مساراً متدرجاً سلساً من الإصلاح السياسي بعيداً عن الهزات العاصفة أو الخضات غير المضمونة من خلال خطوات مدروسة ولكن دون تردد أو وجل أو ارتباك في مجال تطوير الأداء السياسي، بما يؤمن مشاركة شعبية أوسع، خاصة وأن شرائح جديدة من التكنوقراط والأكاديميين والمثقفين من أبناء اليوم والمستقبل الذين هم نتاج التحولات الموضوعية المهمة التي جرت في البنية الاجتماعية في مجتمعاتنا، تتطلع إلى أن يكون لها دور في رسم مستقبل بلدانها وخططها التنموية.

دولنا مطالبة بتأمين الصيغ الضرورية لذلك، بما في ذلك تطوير أشكال التمثيل الشعبي في بلداننا، حتى ترتقي إلى مستوى السلطات التشريعية المفوضة شعبياً ذات الصلاحيات الرقابية الفعلية. إن هناك مقومات كثيرة تدل أن الظروف في بلدان المنطقة ناضجة لولوج مراحل الإصلاح بدون تردد.

بذلك تستطيع مجتمعاتنا أن تجاري ما هو دائر في العالم من جهة، وأن تستجيب لمقتضيات البناء الداخلي لكل بلد من هذه البلدان، وأن تحصن جبهاتها الداخلية بوجه أي مخاطر.



22 أكتوبر 2013