المنشور

تقرير «بسيوني»… وانتهاكات لم تنتهِ في البحرين

بعد مرور عامين من إعلان تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصّي
الحقائق فإن المشهد السياسي في البحرين مازال لم يتقدم نحو تحقيق جميع ما
جاء في هذا التقرير الذي كان حديث العالم في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011.
إن التنفيذ الجاد لتوصيات التقرير يتطلب الاعتراف بالممارسات التي تسببت
إمّا في قتل أو تعذيب أو فصل أو ملاحقة قضائية أو تشهير أو تهديد المواطنين
وتعريضهم لصنوف مختلفة من الممارسات التي أساءت لسمعة البحرين وقسمت
المجتمع بصورة تهدد الأمن والاستقرار.

إن قضية التعبير عن الرأي
مازالت قضية مترنحة داخل مجتمعاتنا العربية، والمواطن لايزال يمنع بصورة
عامة من التحدث بلغة مختلفة عن الطرح الرسمي، ولكن الزمان قد تغير، ومحاولة
حرف القضية من مطالب إصلاحية إلى تخندق طائفي لن ينفع أحداً في شيء. ويكفي
أن نقرأ ما قاله عضو اللجنة البحرينية المستقلة لتقصّي الحقائق السير
نايجل رودلي في حديثه مع صحيفة «الوسط» في عددها الصادر أمس (السبت) إذ
أشار إلى أنه لا يخفي خيبة أمله في عدم تنفيذ توصيات هذا التقرير والوضع
الذي وصل إليه المشهد الحالي في البحرين، موضحاً أنه لا يوجد شيء يدعو إلى
تغيير وجهة نظره خاصة فيما يتعلق بملف تحسين حقوق الإنسان من خلال تنفيذ
التوصيات التي كانت ستمهد إلى عملية مصالحة وطنية التي بدورها قد تستبعد
الشعور بالظلم إلى شعور يتسم بالعدالة.

كلام السير رودلي جاء في صميم
الواقع الذي نعيشه في مشهد لا يخلو من الاضطراب والتحسس والانقسام بين
أفراد المجتمع الواحد، والذي تحوّل على مدى ثلاثة أعوام تقريباً إلى
مجموعات فاقدة الثقة من بعضها البعض بسبب السياسة التي استغلت الظروف وسعت
إلى خلق عوالم متناقضة داخل مجتمع البحرين… إذ أن هناك عالم المؤتمرات
والمعارض والفعاليات الثقافية وهناك عالم انتهاكات وسجن وأحكام ومطاردات
ومولوتوف وغازات مسيلة للدموع وتواجد أمني كثيف ونقاط تفتيش… الخ.

هكذا
وصل حال المشهد في البحرين ولم يتغير بعد عامين من صدور تقرير تقصّي
الحقائق، لم يتغير شيء سوى تكرار التصريحات التي تؤكد تنفيذ التوصيات رغم
أن الواقع يقول شيئاً آخر، كما أن الممارسات في الشارع مختلفة كلياً؛ ولهذا
فإن الشعور بالظلم يتنامى مع تنامي ثقافة الإفلات من العقاب بحجة «الولاء
والطاعة» وهو مفهوم يتعارض كلياً مع مفهوم حقوق المواطنة السياسية والمدنية
التي تأتي من منطلق احترام حقوق الإنسان التي نص عليها الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان.

جميع ما ذكره السير نايجل رودلي يحتاج إلى التمعُّن،
ونحن نحتاج إلى الإرادة السياسية الحقيقية لتحقيق الشعور بالعدل ونحتاج إلى
الجرأة والشجاعة الكافية للاعتراف بقائمة طويلة من الأخطاء وفاقمت روح
الانتقام والكراهية بدعم رسمي واضح كوضوح الشمس، مع استمرار حملات التحريض
عبر وسائل الإعلام بصورة ممنهجة.

مرة أخرى، فإن الوضع يحتاج إلى
مراجعة جادّة لتنفيذ توصيات تقصّي الحقائق بصورة لا لبس فيها، كما ويجب
الاعتراف بالأخطاء والدفع باتجاه يحقق العدالة الانتقالية وإنهاء ثقافة
الإفلات من العقاب وعدم المراهنة على الانقسام والتناحر الذي يؤدي في
النهاية إلى مشهد سياسي موتور لا يُفرح أحداً.