المنشور

اليساريون مرضى التاريخ!

بقلم: د. فواز فرحان*


في
خضم النقاشات والحوارات وربما بعض المماحكات في مواقع التواصل الإجتماعي
وما خالطها من تباين في الآراء والتحليل والتشخيص بخصوص الحالة المصرية
وتداعيات ثورة ٣٠ يونيو على استفراد الإخوان بالحكم وما تبعها من دخول
للعسكر على خطها قرأت بعض التعليقات من (مرضى الواقع) وممن تهيأ لهم أنهم
مناضلون وثائرون تتلخص بأن اليساريين مرضى التاريخ وأن شعاراتهم يسارية
بينما أفعالهم يمينية وأنهم حلفاء للأنظمة القمعية والدكتاتورية في الوطن
العربي تاريخياً؛ وهنا يجب أن أضع النقاط على الحروف بالنسبة لهؤلاء فقط
لأن النقاط موضوعة أصلاً ولا تخفى إلا على جاهل أو متجاهل.




لم ولا ولن يخفى على أي مطلع -ولو بشكل
سطحي- على تاريخ الحركات اليسارية والتقدمية العربية بأنها جميعاً تعرضت
بأشكال مختلفة وبدرجات متفاوتة للقمع والتنكيل من السلطات العربية
المختلفة، وسأضطر لسرد تاريخي مقتضب يسلط الضوء على هذا التاريخ المشرّف
ليكون منطلقاً لتفنيد ادعاءات (مرضى الواقع).


لقد تعرضت قيادات وكوادر الأحزاب
اليسارية التقدمية في الوطن العربي للتصفية الجسدية إما بالاغتيال أو
بالمحاكمات الصورية الهزلية؛ فالرفيق فهد (يوسف سلمان يوسف) مؤسس الحزب
الشيوعي العراقي ورفيقاه حسين الشبيبي وزكي بسيم تم إعدامهم في بغداد على
يد النظام الملكي. هذا غير مئات الشهداء الذين قدّمهم الحزب عبر العهود
الدكتاتورية المتعاقبة حتى سمي بحزب الشهداء، وأشدها ما تعرض له الحزب
الشيوعي العراقي من ضربات متعددة في ظل نظام صدام حسين…وهناك الرفيق فرج
الله الحلو القائد في الحزب الشيوعي السوري اللبناني قبل انقسامه الذي تعرض
للتعذيب والقتل والتذويب بالأسيد على يد نظام الوحدة السورية المصرية في
دمشق…والرفيق عبدالخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي السوداني تعرض لمحاكمة
صورية هزلية انتهت بإعدامه على يد نظام جعفر النميري في الخرطوم كما واجه
الرفيق الشفيع أحمد الشيخ رئيس اتحاد عمال السودان المصير ذاته….والرفيق
شهدي عطية القائد في الحزب الشيوعي المصري (حدتو) الذي تعرض للاعتقال
والتعذيب حتى الموت على يد النظام الناصري في سجن أبو زعبل….وتعرض تسعون
شيوعياً ليبياً للاعتقال على يد نظام القذافي وتمت تصفيتهم جميعاً بحادثة
هدم السجن الشهيرة….وتعرضت قيادات وكوادر جبهة التحرير الوطني البحرانية
مثل الرفيقين سعيد العويناتي و د.هاشم العلوي للإعدام على يد السلطة
البحرينية؛ كما تعرض الرفيق مجيد مرهون للسجن على مدى ٢٢عاماً حتى سمي
بمانديلا البحرين….وتعرضت قيادات وكوادر الحزب الشيوعي في السعودية
للاعتقال والتعذيب والمطاردة والنفي؛ واستشهد تحت التعذيب الرفيق خالد
النزهة من مدينة حايل…وكان من نصيب بعض الرفاق في حزب اتحاد الشعب في
الكويت من القيادات العمالية الاعتقال على إثر البيان الذي استنكر الإنقلاب
الأول على الدستور في عام ١٩٧٦….وتعرضت كوادر الحركة الثورية الشعبية
لتحرير عمان والخليج العربي للملاحقات والاعتقالات والقتل…أما الأحزاب
اليسارية التقدمية في فلسطين فهي رائدة النضال والكفاح ضد العدو الصهيوني
وتعرضت قياداتها مثل غسان كنفاني وأبو علي مصطفى للاغتيالات كما تعرض
الكثير من كوادرها للاعتقال ومن أبرزهم الرفيق من الجبهة الشعبية وأمينها
العام أحمد سعدات المعتقل حتى هذه الساعة، والأمثلة أكثر من أن تحصى في
تاريخ نضال الأحزاب اليسارية التقدمية العربية ولن يغطي تفاصيلها مقال
وحيد.


فبعد كل هذا النضال وهذا الحجم من
التضحيات هل هناك من مبرر لوصف الأحزاب اليسارية التقدمية واليساريين
والتقدميين بأنهم مرضى التاريخ بسبب وقوفهم ضد حكم الإخوان وانحيازهم للشعب
المصري؟ فأنعم به وأكرم به من مرض إذن… وهل ما يزال هناك بعد هذا السرد
التاريخي المقتضب والمختصر جداً أساس لوصف (مرضى الواقع) الأحزاب اليسارية
التقدمية بأنها حليفة للأنظمة القمعية الدكتاتورية وأنها ذات أفعال يمينية
تتناقض وخطابها اليساري؟ وهل يجوز وصف هذه الأحزاب التي تعرضت لكل هذا
القمع من أنظمة عبدالإله ونوري السعيد وقاسم والنميري والقذافي وصدام
وغيرها من أنظمة الخليج بأنها حليف لها، أو أن يصل الجنوح بالبعض إلى درجة
وصفها باليمينية؟ ومنذ متى يتبجح أتباع الأحزاب الدينية والمحافظة التي
تحالفت مع السلطات العربية عموماً والخليجية خصوصاً في مراحل متعددة
بالنضال والثورة؟ وهم من ساند هذه السلطات في عرقلة الديمقراطية وقمع
الحرية ومطاردة وملاحقة كوادر الأحزاب اليسارية التقدمية تارة وبثوا
إشاعاتهم وتدليساتهم لتكفير هذه الأحزاب أمام المجتمع تارة أخرى.


في الحالة الكويتية أنا كيساري تقدمي
أعتقد بأن مشكلتنا الرئيسية في الكويت تكمن في وجود دستور منقوص
الديمقراطية تستخدمه سلطة لا تؤمن بالتطور الديمقراطي لخدمة مشروعها الخاص
والمتمثل بتحويل الكويت إلى مشيخة مكتملة الأركان، وأعتقد بأن صراعنا
الرئيسي يجب أن يصب في استكمال النظام الديمقراطي البرلماني للنهوض بوطننا
وشعبنا، ولا أعتقد بأن مشكلتنا الرئيسية مع التيارات الدينية إلا إذا كانت
جزءاً من أدوات السلطة لعرقلة التطور الديمقراطي ولضرب الحريات، فعلامَ هذا
الهجوم على اليسار العربي عموماً والكويتي خصوصاً بسبب اختلاف في المواقف
من حالات عربية وعالمية لها ظروفها الخاصة ولليسار تحليله الخاص لأحداثها؟
خصوصاً وأن أطراف هذا الهجوم ليسوا نموذجاً في المنطلق الديمقراطي ولا في
احترام الحريات وأيضاً ليسوا نموذجاً للدفاع عن العدالة الاجتماعية، كان
هذا المقال رداً على من يريد تفريغ عقدته (الواقعية) في مواقف تشويه اليسار
ومَنْ يريد استغلال هذا التفريغ للتجاوب مع مغازلة السلطة له إن لم يكن
هناك ارتباط بينهما أصلاً.
————————————–
*عضو التيار التقدمي الكويتي.