المنشور

هل هرمت النخب؟



“لقد هرمنا في انتظار تلك اللحظة التاريخية”-
مَن مِنا لا يتذكر صورة وصوت ذلك الكهل التونسي الذي كان يمسح براحة يده على شعره الأشيب،
وهو يردد بتأثر تلك العبارة، بعيد سقوط زين العابدين بن علي . 
  
حملت
العبارة دلالات عدة، بينها أن اليأس كان قد بلغ مبلغه عند النخب السياسية من إمكانية
تحريك الجمود الذي طغى على الواقع العربي على مدار حقبة تاريخية كاملة، امتدت عقوداً،
بدا معها الأفق مقفلاً بوجه أي تغيير . وحملت أيضاً شعوراً بالغبطة تجاه الجيل الجديد،
فما لم تفعله الأجيال السابقة فعله . 
  
كانت
تلك لحظة عاطفية استثنائية تبرر مثل هذا الشعور، ولكن الأمر للأسف لم يقف عند حدود
حال التأثر هذه، وإنما انبنى عليها وقف متكامل فحواه أن على جميع النخب أن تتقاعد مفسحة
المجال للجيل الجديد، الذي أنجز في أسابيع ما عجزت عنه هذه النخب خلال عقود . 
  
ولكن
تلك كانت طامة كبرى، سرعان ما تكشفت أضرارها الفادحة على كامل مسار التحول العربي،
فرموز هذه النخب، وهي تجلد ذاتها، نسيت أن التحولات التي جرت ما كانت ستجري لولا العمل
التراكمي الذي قامت به هي نفسها على مدار عقود، سواء في مجال الفكر والمعرفة، أو في
مجال العمل الميداني . 
  
ليس الأمر
هنا فقط، وإنما في حقيقة أن الشباب كمفهوم هو مرحلة عمرية فحسب، وليسوا كتلة اجتماعية
ثابتة ومتجانسة، حتى الذين هرموا في انتظار تلك اللحظة التاريخية، لم يكونوا أقل عنفواناً
وحماسة ووعداً واستعداداً للتضحية، من شباب ميدان التحرير أو سواه من الميادين العربية،
وشباب اليوم لن يعودوا كذلك بعد عقدٍ من الآن، لا في العمر ولا في التفكير . 
  
ما من
تحولات كبرى في العالم تجري من دون أفكار كبرى، من دون نخب واعية . الحماسة حالة انفعالية
مؤقتة لا تدوم، أما الفكر فهو ما يمكث في الأرض، ويمهد تربتها للتحولات الواعدة، ومهارة
استخدام التقنيات الحديثة التي يتوفر عليها أبناء وبنات الجيل الجديد، لا تعني بالضرورة
امتلاكهم الوعي، وإذا امتلكوا هذا الوعي فستنقصهم الخبرة التي يُعتد بها . 
  
بعد عام
أو عامين من الغفوة أو الغيبوبة وعت النخب الحديثة أنها تنازلت عن دور ما كان يجب عليها
أن تتنازل عنه، لمصلحة حركات، لا شك أنها شجاعة ومقدامة، لكنها عفوية، والعفوية وحدها
لا تصنع تغييراً حقيقياً . 


د . حسن
مدن