المنشور

ورشة التيار الوطني الديمقراطي | ورقة أ. محمد المرباطي



 




معالجات لبعض
مظاهر ازمة اليسار






1- الطائفية




:




               

بعد احداث 14 فبراير 2011 شهدت
جمعيات التيار الوطني الديمقراطي شكل من التصدع في العلاقات الداخلية تبلورت
خلالها بعض مظاهر الأزمة التي تجلت في بعض المظاهر السيئة مثل الإصفافات الطائفية
والعودة للجذور ، مما جعل من قوى وشخصيات التيار الوطني الديمقراطي تجد نفسها في
مؤخرة الحدث وتطوراته اللاحقة ، وقد قابل هذه الضعف قوة التيار الإسلامي وجعل قوى اليسار
في المؤخرة وهنا لا نعالج الخلفيات الطائفية او الإنتماءات التقليدية فالطائفية لا
تعني ان تكون سنياً او شيعياً او مسيحياً او يهودياً او من اي دين او عقيدة اخرى
بقدر كونها مشاريع سياسية ، فالمذاهب والأديان والعقائد عندما تستغل لمشاريع
سياسية تحمل بصماتها وابعادها الطائفية الخطيرة والبغيضة ، حينها من الحماقة
التحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ، وللطائفية اوجه متنوعة اخطرها الطائفية
المبطنة تلك التي باطنها الحقد والكره ، وظاهرها الحب والمودة ، فالطائفية الظاهرة
يمكن القضاء عليها ومحاربتها بشكل اسهل من الطائفية الباطنة ، التي تنخر جسد
المجتمع وتقوم على تدميره وتفتيت اوصاله من الداخل ، فمن يضمر الحقد اسوأ ممن
يجاهر به ، هكذا اصيب اليسار بعدوى الطائفية المبطنة ، وفعل فعله في تمزيق
اوصاله  .


       
لقد
اتصف اليسار بالتقدمية،

ووصفت القوى الأخرى
بالرجعية والتخلف وما شئت من المسميات التي
تحط من شأنها ، وتضعها في خانة المسؤولية التاريخية عن التخلف والإرهاب والجهل
والمرض ، وإعاقة التطور والمدنية … مقابل اليسار التقدمي الذي يعمل ابدا ليل
نهار من اجل التقدم والاشتراكية والعدالة الاجتماعية ، والرفاه الاجتماعي ، ومحاربة
العنصرية والطائفية ، ولكن هذه الشعارات البراقة كانت تخفي وراءها واقعا سيئاً
ينبئ عن الأسباب الحقيقية لإنحراف بعض شخصيات

اليسار في بلادنا.


 



 2- الخلل البنوي في
العلاقات  التاريخية  :



        


                لقد قام
اليسار على خلفية  اساسها مرجعية الأفراد









)









القيادات الكاريزمية









(









بعبارة اخرى الشخصيات الملهمة ، التي تقوم على الهيمنة الحزبية ،
من واقع ا

لإعتقاد بالقدرات الخارقة للقيادة او للزعيم ، وهي حالة
سلبية تميز بها الواقع السياسي العربي ، حيث تشترك الأحزاب والجماعات والأنظمة
السياسية والدينية واليسارية العربية بهذه الخاصية ،

وفي هذه الحالة اختلطت الهوية الحزبية بشخص
الزعيم القائد

، الذي ادخل هذه الأحزاب والجماعات في  انماط سلطة الهيمنة الحزبية ، عندما اخذت
بالزعامة الملهمة









)









الكارزمية









(









التي تقترب في طبيعتها
وهيمنتها مع مفهوم القيادة التقليدية ، التي تقوم على الإعتقاد بشرعيتها الدائمة ،
من هنا كانت البداية لإنحراف اليسار الرجعي ، عندما غلب الجانب التقليدي على طبيعة
قياداتها الملهمة









 )

الكارزمية









(









، ونتيجة لهذا اصبحت الجمعية او الحزب
مختزلاً في القيادة ، في  اطار المركزية
الحزبية المشوهة ، تحت شعار المركزية الديمقراطية التي نادى بها لينين في سلسلة
مقالاته في صحيفة









 

الإيسكرا (الشرارة) ، يشرح فيها
الشروط التي يتوجب توفرها في المنظمة الحزبية

، وقد جمعت في كتاب









 )

ما العمل) الذي
يتذكره اليساريون ، ولكن لينين عالج الظروف والأوضاع السياسية للواقع الروسي في
اواخر القرن الثامن عشر ، وفي فترة نفيه


إلى


سيبيريا


في ديسمبر 1895،
وقد تكون تعقيدات الأوضاع الروسية جعلته يبتعد قليلاً عن الماركسية التي تبتعد عن
المركزية كما جاء بها لينين ، فالماركسية تقوم على فلسفة جدلية التاريخ (



المادية التاريخية والمادية الجدلية ) التي تتعارض مع منطق الشمولية
والثوابت اومركزية البناء المؤسسي سواء كان اجتماعياً اوحزبياً ، لذا فالمركزية
الديمقراطية ليست من الأدبيات الماركسية .




 





3- التراجع الفكري لليسار التقدمي :



 

                    
مما سبق
نستدل على بعض جوانب الخلل في فكر اليسار ، الذي تخلى منذ البدء عن البعد الفلسفي
للمنهج الماركسي ، واخذ بالجوانب العملية لشروط الثورة الروسية ، وعندما

  نعود لتجربة الجبهة الشعبية
نجدها استنساخاً اعمى للتجربة اللينينية بمسمياتها ، حتى في تسمية النشرة  الحزبية

 
الإيسكرا (الشرارة)
، وبالتالي
لم تؤسس حركة اليسار قواعد فكرية واعية تنطلق من واقعنا ، مما تسبب في خلق هجين
حزبي يقوم على الطاعة الحزبية الغير مبنية على قناعات وإرادة الفرد ، بقدر ما هو
تنفيذ وامتثال أعمى لإرادة القيادة .  

 


                 إن هذه
المعادلة انقلبت بشكل عجيب في بلادنا 
والبلاد العربية الأخرى ، عندما انبعثت 
الروائح الدفينة في العقل الباطن ، الذي فعل فعله في استحضار الإنحيازات
الرجعية ، والميول الطائفية لشخصيات وقوي لا دينية ، في اسطفافات مموهة بأبعادها
السياسية وبخلفياتها الطائفية ، وقد عملت العجائب بعد ان انشطر اليسار على خلفية
مذهبية طائفية ، وصار مطبوعاً بالرجعية ، لأن اليسار التقدمي من الصعب ان ينزلق
نحو هاوية الطائفية والمذهبية ، او ان يأخذ بقيم التعصب العرقي الى غير ذلك من
عوامل التخلف ، ومواقفه هذه هي التي اضفت عليه صفة التقدمية خلال العقود الماضية



                    
إن هذا المنطق
العدمي قد الغى مصداقية اليسار بعد ان تخلى عن ادبياته ومناهجه الفكرية

، حتى تلك المعايير البسيط التي
قامت عليه تحليلاته السياسية ، فلم يعد لليسار مفهوماً عقائدياً بحجة الواقعية
السياسية لتبرير عقلية التحول من إطار او حزب تقدمي له مآثره التاريخية التي لا
يستطيع احدا إنكارها ، وله الكثير من الشواهد في بلادنا ، فمن يستطيع نكران ان
عددا من المؤسسات العلمية والمؤسسات الإجتماعية والمدنية قامت بجهود الأحزاب
اليسارية التقدمية ، والكثير من الشخصيات 
الفكرية والمثقفة والعلمية من اطباء ومهندسين ومحامين واساتذة جامعات كانت
بفعل القوى اليسارية ، والآن وقد تحول اليسار الى حركة أقل ما يقال عنها كتلة صماء
تراوح في مكانها ، تحت شعارات سياسية عامة ، وهنا لا بد من التأكيد  ان الشعار لا يشكل برنامجاً سياسياً والبرمانج
لا يشكل منهجاً فكرياً ، فمن السهل صياغة الشعارات والبرامج ، ولكنه من الصعب
الإستدلال العلمي الذي يعيد اليسار لمناهجه العلمية  ولحيويته التي تخرجه من خانة المهمشين .


 




4- التراجع المنهجي الفكري لليسار التقدمي : 



 

        لقد نشأ هذا التراجع مع مغادرة اليسار لمناهجه الفكرية ، والأخذ بالعموميات
التي ادخلته في متاهات الهوية وما رافقها من

تداعيات فكرية ومنهجية  ، ابرزها التخلي الكامل عن الفكر اليساري (
الماركسي ) تحت شعار ( تعويم الأيدلوجيا ) وهو

مصطلح
كان يهدف الى تدمير البنى
الهيكلية والإيدلوجية لليسار البحريني والتي نعيش تداعياتها اليوم ، وقد برز هذا
التوجه مع قيام الثورة الإيرانية ، حينها شهد اليسار خاصة اليسار المتطرف تصدعاً
ايدلوجياً وبنيوياً ، حسم حينها في اجتماع موسع بإستفتاء كوادر هذا اليسار الذي
تمثل في الجبهة الشعبية ، وكان اول انقسام بين تيارين ، تيار اخذ ببعض الخصوصيات
الدينية متأثرا بكتابات الدكتور محمد عابد الجابري مثل (



ثلاثية نقد العقل العربي
)

التي تعالج


تكوين العقل العربي
، وبنية العقل العربي، والعقل السياسي العربي

وغيرها ، وقد احدثت حالة فكرية
بين تيارين ، تيار في حركة اليسار العربي التقدمي ، الذي واجه افكار واطروحات
الجابري بإنتقادات شديدة منها كتاب ( نقد نقد العقل العربي ) للمفكر السوري جورج
طرابيشي ، وفي السياق ذاته انتقد المفكر التونسي

فتحي التريكي ما ذهب
اليه الجابري حول وجود عقل عربي وآخر غربي،

كذلك انتشرت بين بعض  قوى اليسار كتب
المفكر الجزائري محمد
اركون ، خاصة كتابه ( العلمنة والدين 

) ، لذلك نجد اليسار في حالته
الراهنة هو نتيجة لهذه التراكمات الطويلة ، ليس بإتجاه التفاعل الفكري بقدر
الإنحطاط الثقافي ، وابرز تجلياته الاصطفافات الطائفية المبطنة الراهنة ، والذي
يضعنا امام سؤال : ماذا يعني ان يكون اليساري نصيرا للطائفية بل ويكون طائفيا في
مجال الفكر والممارسة ، لذا اصبح اليسار الرجعى لا يقاس بإنحيازه نحو مثاليات
الواقع الإجتماعي وافرازاته ، وانما مغادرته النهائية لفلسفته المادية التي تقوم
في موضع التحليل السياسي بأن الواقع الإقتصادي يفسر الحياة السياسية ، ولأن
السياسة هي نتاج للحياة الإقتصادية ، وهي الأساس الموضوعي

للمنهج اليساري في
( ا

لمادية
التاريخية)



















.


 




5- حتى لا يكون اليسارعبئاً من الماضي :




 


             
      جميعنا يرى في هذا الواقع العيوب ، ولكن قد
لا نرى بأننا مصابون بها ، لأننا فصلنا مناهجنا العلمية عن الواقع وعن الممارسة ،

فهناك
الكثير من حالات النسيان للتاريخ واحداثه وشخوصه ، ولربما اصبح عبئاً من الماضي
بعد ان صار اليسار ليس يسارا وغدا يسارا رجعياً 
،  يتحرك وفق اهواء ونزعات قاع
المجتمع ، والموروث التاريخي ، فهذا ليس بذاك اليسار التقدمي الذي طبع بصماته على
وجوه مئات الأطباء والمهندسين والنقابيين والمعلمين ، والكتاب واصحاب الفكر والقلم
في هذا البلد الصغير ، واسس لمقدمات الحداثة المطبوعة بالجمعيات الحقوقية
والإجتماعية والنقابية والنسائية ، فذاك اليسار التقدمي الذي لم يتصف اطلاقاً بعفن
المجتمع ، صار اغنية نستحضرها  في بعض
مناسباته للذكرى ،

بعد
ان تخلى عن مبادئه وتحول لمجرد ظل  لا وزن
له في الحراك السياسي ، لهذا أدارت قواعد وجماهير اليسار ظهرها وغادرت مواقعها ،
واقتربت اكثر واكثر للميل نحو الجذور الطائفية ظناً منها انه الواقع الذي يمثل
مصالحها في معادلة الصراع السياسي ، لذا كان من الطبيعي أن نشهد هذه التحولات ،
خاصة في هذه المرحلة الإستثنائية  ، وهنا
يصح القول العامي لأي مواطن عادي يتساءل عن الأسباب التي تجعله ينحاز لليسار بعد
ان تماهى في خصوصيات القوى والتيارات الأخرى .










       لقد تمكنت بعض الشخصيات اليسارية من قمع
وتشويه وعزل الذين يفكرون بطريقة اخرى ،

وتجلت هذه
الممارسات في جذور تلك الصراعات التي مزقت

مكونات اليسار في بلادنا ، بعد ان
انحرفت
بوصلة افكاره نحو الهاوية ،

ولم يعد من السهل ان نتعرف على انفسنا وسط هذا الضياع والغموض
الذي
انتهى وللأسف الشديد الى الإصطفاف الطائفي المبطن ، من خلال منظومة الأفكار
العامية للمجتمع وإنصهارها في اللآوعي ممزوجة بجملة من الأفكار المثالية المترسبة
في اعماق عقلنا الباطن

.    


     
     السؤال المطروح ما الذي حدث حتى غرق اليسار
في  خلافات اتسمت بأبعادها الطائفية
المخالفة لكل القيم والمقاييس الإنسانية ، هل هي نتيجة لتطورات متلاحقة فرضت
واقعاً جديداً من الإصطفافات لقوى جديدة اكثر قوة وحيوية وإمتدادات شعبية جعلت
اليسار يتماهى في محيطها ، ام ان السبب الحقيقي لتراجع اليسار هو تخليه عن دوره
التنويري  ، او أنه لم يعد بمقدور بعض
عناصر هذا اليسار الابتعاد عن الجذور الطائفية أو الوقوف على الحياد .         


             للإجابة على هذا السؤال
علينا ان نعود للوراء عندما كان
اليسار مشروعاً حضارياً ، حينها كان اليسار اكثر وضوحاً في مناهجه السياسية
والفكرية ، وكان اكثر جاذبية وشعبية في طروحاته ، كان يملك زمام المبادرة لإبراز
القضايا ، حينها لم  يكن العمل السياسي في
محيط اليسار مضيعة للوقت وللذات مثلما هي الآن .




6- لم يقدم اليسار البديل التقدمي :











 

                لقد انحدر اليسار لأحط مراحله ، نتيجة
لعجزه امام بروز القوى الدينية التي اكتسحت ساحات اليسار التقليدية ( العمالية
والطلابية والبرجوازية الصغيرة والمتوسطة ) 
ولكن اليسار لم يدرك هذه الحقائق بعد ان تخلى عن ادواته العلمية في تحليل
حركة التاريخ وتحولاته ، واخذ

يطبق سياسات اجتماعية مضللة
  ، لذا نجده قد فشل في تقديم البديل ألإيجابي
لمواجهة التيارات الطائفية والقوى الرجعية 
، وابرز تجلياتها الإصطفافات الطائفية في محيطه عندما مست مفاصله الداخلية
وشملت امتداداته في اهم جمعيات المجتمع المدني مثل المحامين والأطباء والأدباء
وغيرها ، وعند  الحديث عن الطائفية لا نعني
بها السنة والشيعة كطرق وعقائد دينية مذهبية ، ولكن الخطورة تكمن عندما تتحول هذه المذاهب
والعقائد من حالة تعبد واعتقاد الى مشاريع سياسية يعمل اصحابها على فرضها كواقع
سياسي واجتماعي في الحياة العامة ،

حينها يصبح التعايش الإجتماعي ضرباً
من المستحيل ما لم تعزز الروح الوطنية وتغلب على المصالح الذاتية الضيقة ، من هنا
تتضح لنا مخاطر تخلى اليسار عن افكاره ومناهجه ، وقد اثبت التاريخ بأنه مع تخلى
اليسار عن صيرورته الفكرية بدأت معها الوطنية تتلاشى ، وبدأت مراجع الفكر التنويري
تضمحل ، ونتيجتها كان هذا التدهور السياسي – الإجتماعي – الفكري -  مقابل انتعاش الإصطفاف الطائفي  

.


 
     إن ما تبقى من اليسار التقدمي هم اؤلئك
الذين انحنت ظهورهم  ، وأصبحوا في سن
الشيخوخة وما يرافقها من أمراض الوداع الأخير، لذا فقد صار ضرورياً تسمية الأشياء
بمسمياتها ،

ما دام
هناك متسعاً من الزمن ، فما يحدث في اليسار لا يمكن تصنيفة بحرية الرأي او التعبير
، او نوع من تعدد الآراء فالتعدد السياسي وإن تستر بالهوية الوطنية
الديمقراطية  ، لم يعد بالإمكان انكار
تصنيفاته تبعا للهوية الطائفية وانحيازاتها المبطنة ، ويخطئ من يظن انها دعوة
لإثارتها ،  فما حدث من تصادم في مفاصل
اليسار لم يعد بالإمكان  تجاهله ، فقد
اصبحت حالة مزرية ان ينصر اليسار الرجعي بعضه البعض حسب مكونه المذهبي ، إنه من
العار ان يوصف اليسار بالطائفية او الرجعية ولكنها الحقيقة ، وتجاهلها ادت
لإستفحال ظاهرة انعاش الهوية الطائفية التي طغت على الهوية الوطنية ، وقد اصبح من
السهولة تهييج النزعة الطائفية ، ولكن من الصعوبة معالجتها لأسباب الآثار النفسية
التي راكمتها ، وفي هذا الصدد لا يختلف احدنا ان بعض عناصر اليسار قد نجحت

 في تحويل الصراع الإجتماعي الى تطاحن ذاتي ، في
عملية تدميرية لمكوناته الفكرية والمنهجية التاريخية ، التي افرزت بدورها تلك
المواقف المبطنة في الإنحيازات الطائفية التي تعكس طبيعة الصراع الذي يقوم على

استعارة
الماضي ذا الخلفيات الطائفية تجاه كافة المواقف

، علماً بأنه لا يمكن إطلاقًا أن تكون
تقدمياً وعلمانياً وفي الوقت ذاته تبطن فكرا طائفياً شوفينياً يعادي مسلمات الواقع
.




 




7- اليسار لم
يملك مشروعه السياسي :




                  
إن احد ألأسباب
الهامة لتراجع اليسار انه لم يعد يملك مشروعه السياسي

، والرأي النقدي
الواضح لطبيعة القوى السياسية الأخرى ، وممارساتها

في إطار علاقتها
بمجمل قضايا الصراع ، وكان على اليسار ان يميز بين الأديان كعقائد وبين المشاريع
السياسية سواء كانت بعناوين دينية او علمانية ، فهي تعبر عن مصالح فئات اجتماعية ،
وعلى هذا فمن الخطأ الحديث عن مشروع سياسي واحد، لأننا لو فعلنا ذلك لأغفلنا
المصالح الاجتماعية المتناقضة، والتي تحدد رؤيتنا وفهمنا لطبيعة القوى السياسية
الأخرى من حيث طبيعتها وانحيازها، وعلى هذا الأساس تقوم جميع التحالفات كمواقف
تكتيكية بين فصائل سياسية متناقضة تعبر عن قوى اجتماعية متنوعة

 ،
عند هذه الجزئية نجد اسباب انهيار الثقة بين اليسار وبين
محيطه الشعبي ، في حين نجد  جميع القوى
السياسية من يسارية وقومية واسلامية  تحمل
ذات الشعارات الإصلاحية ، ولكنها لا تحمل ذات الطبيعة السياسية مع اختلاف ابعادها
العقائدية التي استقطبت من خلالها حشودها وتأييدها الشعبي ، فجميع القوى ذات
الإمتدادات الشعبية الواسعة استغلت العقيدة في عملها وتعبئتها ، حيث طغى البعد
العقائدي على شعاراتها السياسية ، ولهذا فاليسار قد اخفق عندما تخلى عن طبيعته
الأيدلوجية ( العقائدية ) واخذ ببعض الشعارات السياسية الفاقعة التي تظهره على
السطح كفقاعات سرعان ما تتبخر ، لتترك المجال للقوى العقائدية التي نجدها تسيطر
على الساحات العربية كنتائج لثورات شعبية عارمة ( الربيع العربي ) مثال مصر وتونس
التي سيطر فيها الجماعات الدينية ( اخوان المسلمين والسلف )، وفشل اليسار في
تقديم  نفسه كقوة تغيير إيجابية مع عدم
إمتلاكه اية اجوبة مقنعة عن طبيعته السياسية والعقائدية ، فهو يذوب في مزيج من
الديمقراطية والشمولية ، فنجده في ليبيا ليبرالياً ، وفي العراق والبحرين طائفياً
، وفي تونس حداثياً ، وفي سوريا شمولياً ، وفي مصر متذيلا من عبدالناصر إلى مبارك
، وهي النتيجة الطبيعية لحالة الصراعات الداخلية حول تفاصيل السياسية والأيدلوجيا
، والتي بدورها اوجدت الحالة الموضوعية للحالة الراهنة التي تشخص اليسار في نطاق
الجماعات المتشرذمة في محيطها الضيق ، ولا يجمع هؤلاء سوى الخلافات ، لأسباب عدم
إمتلاك اليسار لمشروعه ولمنهجه الواقعي الذي يحقق 
وحدته في اطار حركة ديمقراطية تقدمية ، بقدر هاجس السلطة والهم السياسي
الذي طغى على جميع القوى السياسية ، ومنها التيار اليساري الذي غابت ملامحه في
الحراك السياسي العام، في حين كان اليسار بحاجة لتعزيز قواه  الثقافية الاجتماعية للتغيير الثقافي
الإجتماعي  التي تخلى عنها خلال العقدين
الماضيين.